من خارج التوقعات، تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بشكل إحترازي لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، بعدما مثل أمس أمام المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار الذي إستجوبه لمدة ثلاث ساعات ثم أبلغه بأنه موقوف الى حين إستكمال التحقيق معه، فإما أن يدّعي عليه، أو يتركه بسند إقامة.
شكل رياض سلامة خلال السنوات الماضية مادة سياسية ـ مالية دسمة، إنطلقت من شارع 17 تشرين الأول 2019 والذي طالب بإسقاطه مع كل المنظومة السياسية ومحاكمتهم وإدخالهم الى السجن، ثم حولته الى موضع خلاف بين التيارات والأحزاب السياسية التي إنقسمت بين مدافع عنه ومُدين له، لا سيما التيار الوطني الحر الذي كلف قاضيته لأمور الكيدية السياسية غادة عون ملاحقة سلامة، وإقتحام مصرف لبنان ومنزله بحثا عنه، حيث كانت الدوريات الأمنية التي ترسلها لإقتياده مخفورا تصطدم بقوة أمنية أخرى تتولى حمايته وتحول دون قيام أي كان من الوصول إليه، في حين أن كثيرا من الاستدعاءات القضائية التي تبلغ بها سلامة مع شقيقه رجا بملفات عدة، لم يلب منها سوى النذر اليسير، وما تبقى إعتذر عنها لأسباب متنوعة حيث كان يحضر محاميه ويقدم الأسباب الموجبة لعدم حضوره.
قبل نحو سنة، غاب رياض سلامة عن سمع وبصر وسائل الاعلام، حيث تحدثت معلومات عن أنه غادر البلاد، في حين أكدت معلومات أخرى أنه يتنقل من منزل الى آخر تحت جنح الظلام خوفا من الملاحقة، بينما هو كان يعيش حياة طبيعية ويلبي الدعوات ويقيم المناسبات تحت أعين الأجهزة الأمنية التي لم تحرك ساكنا تجاهه.
بالأمس، وبشكل مفاجئ حضر رياض سلامة أمام المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار الذي أوقفه إحترازيا، وتولت قوى الأمن الداخلي نفسها التي كانت تؤمن له الحماية إقتياده الى سجن داخل حرمها، وهو المعروف بسجن الضباط الأربعة الذين إعتقلوا فيه على خلفية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ذهاب سلامة بقدميه الى المدعي العام وإصدار قرار بتوقيفه، طرحا سلسلة تساؤلات لجهة: هل ما جرى هو بداية لفتح ملف رياض سلامة على مصراعيه وبكل مندرجاته؟، أم هو مقدمة لإغلاقه بشكل كامل من لبنان الى أوروبا؟، وهل تلقى سلامة تطمينات من جهات معينة؟، وهل ما زال الغطاء الأميركي والدولي يظلله؟، وما هي الصفقة الجديدة التي يتم الاعداد لها؟، وهل هناك من باع رياض سلامة؟ ولمصلحة من في هذه الظروف السياسية والأمنية الدقيقة؟، أم أن هناك من ينوي شراءه لكن من دون ملفات؟..
يجلس رياض سلامة على خزائن من الأسرار التي ما يزال يحتفظ بها لنفسه، فالرجل هادئ الطباع لا يُستفز، ويتعاطى مع أسوأ الأمور ببرودة مخيفة، وكأنه مدرّبٌ لدى أهم المنظمات المالية أو العسكرية العالمية التي تعمل على تحصين العاملين معها ضد أية ضغوطات أو عمليات ترهيب أو ترغيب.
في حال كان الهدف من التوقيف فتح ملف سلامة، فهذا يعني أن ثلاثين عاما بأيامها ولياليها وملفاتها وهندساتها المالية وعقودها وصفقاتها وإعتماداتها وإيداعاتها ستوضع تحت المجهر، ما يعني أن رؤوسا كبيرة سياسية ومالية ومصرفية وإقتصادية ووزارية سوف تستدعى الى التحقيق الذي سيطال أيضا كثيرا من المؤسسات الخدماتية التي لديها علاقات مع المصرف المركزي، علما أن سلامة الذي ما يزال رغم كل الحملات السياسية والقضائية والشعبية التي شنت عليه، خارج السجن، يحرص على تحصين نفسه، حيث لا توجد قرارات إتخذها إلا وكانت لها قوانين أو مراسيم صادرة في مجلس الوزراء ومصدقة في مجلس النواب ومدروسة من عدة لجان.
وقد أشارت معلومات الى أن سلامة كان واثقا من نفسه أمام المدعي العام الحجار وإستمهله لتقديم كل المستندات التي تؤكد صحة أقواله.
أيام أربعة ستكون حبلى بالتطورات في ملف سلامة الذي سيخضع لعدة جلسات تحقيق ستكون بمواكبة سياسية وشعبوية في ظل محاولة البعض نسب ما يسميه إنجاز التوقيف الاحترازي لنفسه، لا سيما التيار الوطني الحر الذي أصدر معلقة يُذكّر فيها اللبنانيين بالضغط الذي مارسه من أجل الوصول الى هذا الهدف، لكن التيار لم يذكر أن مجلس الوزراء المنعقد في 24 أيار عام 2017 برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون ومشاركة ثمانية وزراء من التيار أو مقربين منه (أي الثلث المعطل) وفي مقدمتهم جبران باسيل قد جدد ولاية الحاكم رياض سلامة، وقد غرد حينها الرئيس ميشال عون على حساب رئاسة الجمهورية على تويتر “إن رئيس الجمهورية إقترح من خارج جدول الأعمال تجديد ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان وقد وافق مجلس الوزراء بالإجماع”.
المصدر: سفير الشمال