ينام الاسرائيليون في الملاجئ أو يختبئون في أماكن محصنة إلتزاما بتوصيات حكومة كيانهم الغاصب، بينما يعيش سكان محور المقاومة من لبنان الى إيران حياة طبيعية وينتظرون الرد المناسب على الاعتداءات التي طالتهم، ما يعني أن رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو أدخل إسرائيل في ورطة كانت بغنى عنها بفعل جنونه مع يمينه المتطرف وسعيهم الى توسيع الحرب للبقاء في الحكم ومنع كأس المحاسبة والمحاكمة عنهم.
عدة سيناريوهات تفرض نفسها في المنطقة سواء على صعيد الرد المحتم على الكيان الصهيوني وتعاطي الولايات المتحدة معه.
على صعيد الرد، بدا واضحا أن إيران تعد العدة لمعاقبة إسرائيل على المسّ بسيادتها وأمنها القومي وشرفها بإغتيال ضيفها الشهيد إسماعيل هنية، في حين أن المقاومة التي لا تتعاطى بردات فعل متسرعة تدرس ردا جديا وجريئا وعاقلا، وربما تفتش عن فرصة حقيقية لذلك، من أجل إيلام الكيان الصهيوني لتعزيز توازن الرعب وتفعيل قوة الردع كما أعلن السيد حسن نصرالله في تشييع القائد الجهادي الكبير الشهيد فؤاد شكر.
وبإنتظار الرد ونتائجه، تنشط الاتصالات الدبلوماسية على كل صعيد لمنع إنزلاق المنطقة الى حرب شاملة ليست في مصلحة أحد وخصوصا الدول الكبرى وفي مقدمتهم أميركا التي تخشى على مصالحها المختلفة وكذلك الاتحاد الأوروبي.
لا شك في أن نتنياهو قرأ الواقع السياسي الأميركي بعد المشهد المقرف في الكونغرس وقوفا وتصفيقا له، فأراد أن ينقلب على التفاوض مع حماس حول صفقة التبادل، وأن يستدرج الولايات المتحدة الغارقة في حساباتها الانتخابية رئاسيا الى دعمه في حربه ضد محور المقاومة وصولا الى إدخالها شريكا فيها.
ويبدو أن نتنياهو الذي يلاحقه الفشل منذ ٣٠٠ يوما لا سيما بعجزه عن تحقيق أهداف الحرب لجهة القضاء على حماس، واستعادة الأسرى، وإحتلال القطاع ومنع إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات العسكرية، لذلك ذهب بإتجاه تجميع بعض النقاط بإعتداءات هنا وإغتيالات هناك لرسم صورة إنتصار ممنوعة من التظهير في المجتمع الاسرائيلي الذي أدخله نتنياهو في دوامة رعب جديدة ما دفع عدد من المسؤولين الاسرائيليين لا سيما بعض المتواجدين في المجلس الحربي المصغر الى نفي علمهم بالاغتيالات ما يشير الى محاولة هؤلاء نفض أيديهم من حماقة نتنياهو وتحميله مسؤولية فعلته.
أما على صعيد السيناريوهات الأميركية، فإن أميركا التي تحتاج رئاسيا الى دعم اللوبي الصهيوني لا يمكن إلا أن تعلن دعمها لاسرائيل أو التحدث بالعبارات التقليدية التي تقول “بحق الكيان في الدفاع عن نفسه”، لكن أميركا تدرك خطورة الحرب الشاملة التي قد يدفع اليها جنون نتنياهو، لذلك فإنها ستكون أمام عدة خيارات:
أولا: أن تذهب أميركا نحو الاستدراج الذي يريده نتنياهو لها وان تُدخل المنطقة في حرب شاملة تعلم كيف تبدأ لكن أحدًا لا يعلم إمتداداتها وكيف ستنتهي وما هي تداعياتها الكارثية وهذا الخيار ما يزال مستبعدا لأسباب عدة.
ثانيا: أن تنجح الولايات المتحدة في الضغط على نتنياهو في إستيعاب رد محور المقاومة على حماقاته وأن تجبره بعد ذلك على العودة الى التفاوض حول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، إنطلاقا من مصلحة أميركا في إنهاء الحرب وخوض إنتخاباتها الرئاسية في أجواء هادئة في الشرق الأوسط.
ثالثا: أن تزداد قناعة أميركا بأن لا حل في المنطقة مع وجود نتنياهو في سدة الحكم، وبالتالي تحميله مسؤولية ما إقترفته يداه ومن ثم رفع الغطاء عنه تمهيدا للتضحية به، وقد بدأت بعض المؤشرات في هذا الاطار لجهة إعلان وزير الخارجية أنتوني بلينكن عدم معرفة أميركا بإعتداءات نتنياهو وكذلك الاتصال العاصف بينه وبين الرئيس جو بايدن الذي حمّله مسؤولية ما حصل وأبلغه بحسب وسائل إعلام أميركية بأنك “لا تستطيع أن تعتمد علينا في كل ما تقوم به”.
وما يرجح الخيار الأخير، هو أن أميركا التي تريد الحفاظ على الكيان، تسعى الى تحويله الى دولة طبيعية في المنطقة وأن تدفع بعض الدول العربية الى التطبيع معه، ومن غير المنطقي لأي دولة عربية أن تطبّع مع نتنياهو الغارق حتى رأسه في دماء الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا، ما يضع أميركا أمام مفترق طرق، فإما أن تحافظ على نتنياهو وتضحي بالكيان الذاهب حتما للانهيار بفعل حماقاته، أو أن تحافظ على الكيان وتضحي بنتنياهو!..
المصدر: سفير الشمال