وضع الاتصال الذي أجراه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بنظيره العراقي الرئيس محمد شياع السوداني، حدا لأزمة الكهرباء التي أطلت برأسها من جديد لتضاعف من معاناة اللبنانيين وفي عز حرّ الصيف، حيث أعطى السوداني توجيهاته بناء لطلب ميقاتي بإعادة تزويد لبنان بمادة الفيول ما من شأنه أن يعيد التيار الكهربائي الى طبيعته.
واعطت الأزمة المستجدة صورة واضحة عن الاهمال واللامبالاة بشؤون اللبنانيين الأساسية، خصوصا أن وزير الطاقة وليد فياض دخل في سجال محموم مع مصرف لبنان حول تمويل شحنة الفيول، في الوقت الذي طلب فيه المادة من دون أن يؤمن لها التغطية المالية اللازمة، فوقع في المحظور وإمتنع مصرف لبنان عن التمويل كونه غير معني بهذه المسألة، ولجأ وزير الطاقة الى شعبوية ممجوجة، محاولا التنصل من المسؤولية ورميها على مصرف لبنان، ثم سارع الى إستغلال جهود رئيس الحكومة التي بذلها مع نظيره العراقي ليزف البشرى الى اللبنانيين بحل الأزمة.
لا شك في أن التدخل السريع للرئيس ميقاتي في هذا الملف كان له سلة من الايجابيات لجهة:
أولا: إعادة التيار الكهربائي الى طبيعته وعدم تحميل المواطنين أعباء إضافية خصوصا أنه بعد تحسّن التغذية أقدم العديد منهم على قطع الاشتراكات بسبب كلفتها العالية والاكتفاء بالساعات القليلة لكهرباء الدولة.
ثانيا: إظهار الخفة التي يتعاطى بها الوزير وليد فياض وسائر وزراء التيار الوطني الحر مع القضايا الأساسية في ظل إستمرار مقاطعتهم لجلسات مجلس الوزراء ومن دون وجه حق قانوني ودستوري، خصوصا أن تيارهم انقلب مرات عدة على مواقفه وتعاطى مع الحكومة في ملفات عدة ومارس التشريع بغياب رئيس الجمهورية عندما قضت مصلحته بذلك، فهل يعقل في ظل الحرب والأزمات التي تتوالد يوميا أن يبقى رئيس التيار جبران باسيل على هذه السلبية التي يمارسها فعلا ويناقضها قولا باطلاق الشعارات الفارغة حول حماية الحقوق وتأمين الخدمات.
ثالثا: قطع الرئيس ميقاتي الطريق على المصطادين بالماء العكر، خصوصا أن جهات كانت تريد الاستثمار في ملف أزمة الكهرباء لتحريك الشارع ضد الحكومة والنيل من رئيسها، وقد كانت لافتة الدعوات التي وجهت في الشمال وخصوصا في طرابلس مدينة الرئيس ميقاتي للنزول الى الشارع وقطع الطرقات بهدف توتير الأجواء وإحراج رئيس الحكومة وإستهدافه، لكن هذه الدعوات فشلت أمام المسؤولية الوطنية التي تعاطى بها ميقاتي مع هذا الملف.
وفي السياق نفسه، وقف الرئيس ميقاتي موقف الحكم النزيه من الخلاف القائم بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزيف عون حول ملف الكلية الحربية، حيث أكد في مجلس الوزراء الأخير انه ضد كسر سليم وضد كسر عون وضد إقفال الكلية الحربية مطالبا الوزراء بإيجاد حل، ومكلفا الوزير محمد وسام مرتضى برأب الصدع بين الرجلين.
ولا شك في أنه كان الأجدى بالوزير سليم أن يفتش عن الحل من ضمن المؤسسات أي من خلال مشاركته في مجلس الوزراء، وليس التعاطي عن بُعد كما سبق وحصل في ملفات عدة أبرزها التمديد لقائد الجيش وتعيين رئيس للأركان وغيرها.
كل ذلك، يؤكد أن وزراء التيار الوطني الحر يضعون مصلحة تيارهم فوق المصلحة الوطنية العليا التي يفترض عدم التهاون فيها، كما يؤكد في الوقت نفسه أن للبنان رئيس حكومة يأخذ بصدره كل الأزمات ويعمل على حلها متجاوزا الكثير من الشكليات والروتين، لأن البلاد في حالة طوارئ على كل المستويات تحتاج الى رجالات دولة من طراز نجيب ميقاتي الذي لا يأبه بكرة النار التي يحملها، بل يمارس حضور الدولة بمعناها الحقيقي من معالجة المشكلات اليومية الى التصدي السياسي للعدوان الاسرائيلي الى سعيه الدؤوب ورغم كل التحديات الى اظهار وجه لبنان السياحي والحضاري برعاية كل الأنشطة الجاذبة للسواح من كل أنحاء العالم.
المصدر: سفير الشمال