كتب عبدالله بارودي
عاند الرئيس نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون أثناء تشكيل آخر حكومات العهد، ولم يقبل لا “ذوقًا” ولا “عافية” ان يعطي عون وصهره “باسيل” ما يريدانه بحجة قرب انتهاء ولاية الرئيس، فأدى ذلك الى تكليف حكومته بتصريف الأعمال وتولّيها في نفس الوقت مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية “وكالة”، غير آبه بكل الإتهامات والسهام التي وجهت صوبه بذريعة محاولته السيطرة والإنقضاض -وهو الرجل “السنيّ” الأول في البلاد- على صلاحيات رئيس الجمهورية “الماروني”!..
خلال هذه المرحلة ظنّ اللبنانيون ان ما جرى “فلتة شوط” ميقاتية في وجه عون وأعوانه لن تدوم طويلًا.. لكن ما حصل منذ ذلك الوقت ولغاية يومنا هذا أثبت العكس تمامًا!..
صمود.. قوة.. رصانة.. واصرار.. هكذا ظهر الرجل أثناء لقائه وفد “جمعية اعلاميون من أجل الحرية” في السراي الحكومي، يستقبلك بابتسامة عريضة تخفي وراءها ما تخفيه من هموم ومشاكل وعقد سياسية للبعض و”نفسية” للبعض الآخر!..
مطمئن بأن الحرب لن تقع -بإذن الله – في لبنان، فالطرفين لايريدان الدخول في هذه المغامرة وجلب الكوارث على المنطقة، أضف الى ذلك برأي ميقاتي الوساطات الدولية تعمل كل ما بوسعها لتجنب تجرّع “الكأس المُرّة” بدءًا من الولايات المتحدة الأميركية وصولًا الى فرنسا مرورًا ببريطانيا وغيرهم..
ميقاتي يؤكد في اللحظة التي تقف فيها “حرب غزة” او ندخل في هدنة طويلة الأمد ستتوقف الأعمال الحربية في جنوب لبنان وسنبدأ في عملية تطبيق القرار ١٧٠١، ويجزم ميقاتي بأن على اسرائيل ايضًا ان تلتزم بكل مندرجات القرار وتعلم ان طلعاتها الجوية فوق الأراضي اللبنانية وخروقاتها للسيادة الوطنية أصبحت من الماضي!..
ميقاتي يعلم ان ما صرّح به في احدى مقابلاته التلفزيونية عن قرار “حزب الله” وسطوته على الواقع الحكومي فيما خصّ “الحرب والسلم” قد يكون غير مقبول لدى الرأي العام المحلي والدولي خصوصًا انه صادر عن رئيس الحكومة.. ولكن من ينكر هذه الحقيقة؟ ولماذا تريدونني ان اكذب على الناس ولا أصارحهم بأمرٍ هم أعلم مني فيه؟..
ويقول ميقاتي همّ شعبي وأمانه واستقراره هو شغلي الشاغل، ويكشف للاعلاميين اتصال الرئيس الفرنسي به في ساعة متأخرة من الليل ليبلغه بأن اسرائيل ستدخل الى لبنان في اليوم التالي!.. ومن ثم البرقية التي وصلته من أحد الأجهزة الأمنية العربية الفاعلة في المنطقة يبلغه فيه ضرورة التصرف لان اسرائيل اتخذت القرار بشن حرب على لبنان خلال ساعات او ايام قليلة!..
في هذين اليومين لم أنم، الناس لا تعرف كل هذه الأمور ولا تتابعها.. لكنني قطعت عهدًا على نفسي ان ادأحمي بلدي بكل الوسائل، وسأفعل!..
وحين تأتي سيرة الجنوب وأهله يبتسم ميقاتي، زرتهم واطمأنيت عليهم.. تصوّروا طلاب الجنوب مقبلون على امتحاناتهم وكأن شيئًا لم يكن.. أتوا من قرى الجنوب الحدودية من أتون القصف والدمار والخراب، لا يظهرون وجعهم وغضبهم، همّهم الأول والأخير النجاح وتحقيق أحلامهم وأمانيهم..
نعم هم خيرة الشباب والصبايا، اعطوا لكل العالم درسًا في التضحية والمثابرة والتفوّق.. وانا على يقين بأنهم سينجحون وسيعودون الى ديارهم وقراهم سالمين غانمين..
محطة قصيرة لا تخلو من بعض النكات والسرديات، ثم نطرح عليه قضية الحريات وما حصل مع زملائنا رامي نعيم ومايا هاشم ويوسف دياب وأخيرًا أسعد بشارة فتراه يسابقنا في الحديث، ويعلن تضامنه معهم جميعًا.. ويقول هذه مسألة لا لعب فيها ولا جدال..سنحاول قدر المستطاع المحافظة عليها.. وسأكون معكم بكل الطرق والوسائل من أجل تحقيق اهدافكم ولن تجدوا في هذا المقرّ لأجل هذه القضية وكل قضايا الإعلام، الا الأخ والصديق والسند..
ثمة من يقول، نجيب ميقاتي يبرهن كل يوم بأنه رجل المرحلة، يمشي فوق خيوط حاكها بنفسه فيعلم أولها من آخرها.. زيارته الجنوب وتفقده نقطة الليطاني العسكرية أصابت أهدافها في كل اتجاه، حتى النائب غادة ايوب كتبت عبر منصة أكس ” شو حلوة هالصورة وشو اشتقنا للدولة بالجنوب! أهلا بكم دولة الرئيس نجيب ميقاتي في جنوب لبنان…”
نجيب ميقاتي تحبه او تبغضه، تعجبك سياسته وسيرته وطريقته في ادارة وتسيير امور الدولة او ترفضها، لكن لا يمكنك الا ان تحترم تدويره الزوايا بحنكة ودراية للوصول بالبلد الى برّ الأمان.. فكان طبيعيًا ان يسأله زميلنا أسعد بشارة ضاحكًا في نهاية الجلسة: “دولة الرئيس هل يمكنك اعطاءنا دورة تدريبية في فنّ “تدوير الزوايا”؟!..”