وجّه “تجمع العلماء المسلمين” رسالة بمناسبة عيد الأضحى المبارك، إلى اللبنانيين عامة والمسلمين خاصة، تلاها رئيس الهيئة الإدارية الشيخ الدكتور حسان عبد الله وجاء فيها:
“أيها اللبنانيون، يكتسب عيد الأضحى المبارك هذا العام أهمية استثنائية، فهو جاء بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على عملية طوفان الأقصى التي أعادت للمقاومة حضورها الفاعل في ساحات الجهاد، وأثبتت قدرتها على التحرير، وأكدت أن الكيان الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت، ولعل أبرز ما أكدته معركة طوفان الأقصى هو وحدة وجاهزية محور المقاومة، وأن هذا المحور يقاتل صفاً واحداً عدو الله والإنسانية الكيان الصهيوني الغاصب، فمن إيران التي أرتنا يوماً تاريخياً في الرابع عشر من نيسان، إلى اليمن التي دخلت في الحرب لا مع الكيان الصهيوني فحسب، بل مع الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، والشيطان الأحقر بريطانيا وكل شياطين العالم، فباتت صواريخها تقصف كل سفينة متجهة إلى الكيان الصهيوني لتحاصره وتقطع عنه المدد، وعندما تدخلت أمريكا وبريطانيا لردع اليمن كان جنود الله لها بالمرصاد، وتعرضت بوارجها للقصف واضطرت إلى أن تتراجع عن فتح حرب لا أفق لها، وإن كانت الاعتداءات مستمرة، إلى العراق الذي أرسل صواريخه ومسيراته إلى حيفا ومينائها وعدة مدن أخرى في فلسطين المحتلة وأرعب الكيان الصهيوني وجبهته الداخلية المتصدعة، وفي لبنان كانت المواجهة الأكبر مع العدو الصهيوني الذي بات يعيش أزمة شمال فلسطين والعدد الأكبر من النازحين، ما اضطره للاستنجاد بالأمريكي الذي أوفد ثعلبه الصهيوني آموس هوكشتاين لمحاولة الوصول إلى حل يهدئ جبهة لبنان، وسيسمع من المقاومة نفس الجواب، لا لإيقاف الاشتباك إلا بعد إنهاء الحرب على غزة وانسحاب العدو الصهيوني منها، ولا تهدئة مؤقتة أو تخفيف من حدة الصراع، بل المعادلة هي يصعد العدو نصعد أكثر، ويوسع نوسع أكثر، وفي غزة تفاجئنا المقاومة الباسلة والأسطورية هناك بتجلي معاني التضحية اليومية لا في عيد الأضحى فقط، وقد أوقعت اليوم تحديداً ثمانية قتلى من جنود العدو الصهيوني بإستهداف آلية النمر المدرعة، ما يؤكد قدرة المقاومة على مهاجمة الآليات مهما بلغ تدريعها. وأثبتت المقاومة في غزة أنها تقاتل وكأنها في اليوم الأول، ولا حل إلا بوقف تام وشامل ودائم لإطلاق النار، مع انسحاب كامل من غزة وعودة كل الغزاويين إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، والبدء بمفاوضات غير مباشرة لتبادل الأسرى ضمن الصيغة التي تريدها المقاومة.
أيها اللبنانيون، أيها المسلمون في العالم، إن المعاني التي يحملها عيد الأضحى كثيرة، ولعل العنوان الأبرز هو ما يعنيه اسم هذا العيد، وهو التضحية بأغلى ما نملك في سبيل امتثال أمر الله سبحانه وتعالى، فكما استعد إبراهيم عليه السلام للتضحية بإسماعيل عليه السلام امتثالاً لأمر الله بذبحه، علينا أن نستعد لتقديم أغلى ما نملك امتثالا لأمر الله تعالى، وعندما يعرض لنا الشيطان لثنينا عن هذا الامتثال علينا رجمه بحجارة معنوية كما رجمه إبراهيم عليه السلام بحجارة مادية، عبرت عن رفضه لوسوساته، ونعلن أن آذاننا وعقولنا صماء عن أن تستمع إلى تحريضه، فلا ندخل في فتنة، ولا نعادي أهلنا، بل نعتبر أن عدونا الأوحد هو العدو الصهيوني.
أيها اللبنانيون، أيها المسلمون، أيها الأحرار في العالم، لا ننسى ونحن نتحدث عن العيد وعن التضحية فلسطين، فلا عيد لنا وفلسطين محتلة، ولا عيد لنا والقدس يدنسها الصهاينة، ولا عيد لنا وآلة الدمار الصهيونية تقتل يومياً في غزة والضفة شباباً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً من شعب فلسطين، وعيدنا الحقيقي يوم نعيد لفلسطين آلقها، ولأهلها فرحتهم، وللمسلمين عزتهم بتحريرها من الاحتلال الصهيوني، ولا يكون ذلك إلا من خلال التضحية بالغالي والنفيس والبراءة من المشركين وأعداء الإنسانية.
لقد كان للنصر في معركة طوفان الأقصى أبلغ الأثر مع رفع معنويات الشعب الفلسطيني، الذي جسد تعاليم الإسلام ومعاني عيد الأضحى والذي سيكون بإذن الله تعالى إيذاناً بقرب زوال الكيان الصهيوني.
أيها اللبنانيون، في عيد الأضحى نقول لأهلنا في لبنان نحن وإياكم في مركب واحد ننجو معاً أو نغرق معاً، فلا يحاول كل فريق منا أن يتصرف بمقعده في المركب بغض النظر عن مصلحة الفريق الآخر، بل علينا أن نجدف جميعاً باتجاه الوصول إلى بر الأمان، وهذا لا يكون إلا بالوحدة الوطنية والخروج من المهاترات والدعوات الطائفية والمذهبية، والإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يؤمن بالثلاثية الماسية الجيش والشعب والمقاومة تنتظم معه عمل المؤسسات الدستورية.
إلى العالم أخيرا نقول إن الإسلام هو دين الرحمة ودين التضحية ودين المحبة وليس دين القتل، أما الجهاد فهو فرض علينا نحارب من خلاله من يحاربنا ولا نعتدي وندفع الأذى عنا ولا نفتري ونصون إرادتنا واستقلالنا ولا نهيمن. إن الإسلام دعوة عالمية هدفها ربط الإنسان بالخالق الذي نظم حياتنا في الدنيا لخيرنا وسعادتنا، فمن تقبل بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رفض وأبى فله دينه، ولنا ديننا، ولا يضر ذلك بنا شيئاً، إنما أردنا أن يفتح الله قلبه للإيمان من خلال دعوتنا له لأنه نظير لنا في الخلق، ولأن الناس كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله وأنفعهم لعياله.
أيها العالم الحر إننا نشكر تحرككم خاصة الطلاب في جامعاتهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي إسبانيا وفي كل دول العالم التي تحركت ضمائرها نصرة لأهل غزة، ودعت إلى أن تكون فلسطين حرة من البحر إلى النهر، وهذا ما كان ليكون لولا التضحيات العظام التي قدمها شعب فلسطين والتي قدمها أهالي غزة، فنحن معكم إن شاء الله لتشكيل جبهة عالمية للمستضعفين في العالم في مواجهة الكفر العالمي، وفي مواجهة الظلم في العالم، لأننا نعتقد أن معركة طوفان الأقصى ليست معركة بين الفلسطينيين والصهاينة، وإنما هي معركة بين الحق والباطل، والعدل والظلم، والخير والشر، فمن كان من هذا العالم بغض النظر عن دينه وانتمائه ضد الظلم وضد الشر وضد التعرض للقيم الإنسانية، فإنه في محورنا ونحن وإياه سنسعى من أجل تحرير العالم وإقامة حكومة العدل التي يعيش فيها الإنسان إنسانيته، ولا يمكن أن يكون للظالم فيها أي وجود وكل عام وأنتم بخير، وإن شاء الله نلتقي في العام القادم وفلسطين حرة وسيدة ومستقلة”.