من حق الرئيس نجيب ميقاتي أن يتنفس الصعداء بإنتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، ومن حقه أن يتخفف من أعباء وتحديات كبرى أرخت بثقلها عليه وواجهها بشجاعة وصلابة، حيث أوقف الانهيار والانزلاق نحو الارتطام الكبير، وقاوم كل أنواع الاستهدافات السياسية والشخصية وما يزال، وحافظ على الدولة وهيبتها وجيشها ومؤسساتها وأجهزتها وصولا الى إتمام الاستحقاق الدستوري الذي من شأنه أن يعيد الانتظام العام للحياة السياسية في البلاد.
قاد الرئيس نجيب ميقاتي المرحلة الأصعب من تاريخ لبنان بذكاء وحسن تقدير وبحكمة ورصانة، وأثبت بما لا يقبل الشك أنه رجل دولة بإمتياز وصاحب رؤية ثاقبة، وسياسي محنك يتقن فن تدوير الزوايا خدمة للمصلحة الوطنية العليا وحفاظا على التوازنات التي تصنع الاستقرار.
تعترف غالبية مكونات المشهد السياسي اللبناني بهذه القدرات وبنجاح الرئيس ميقاتي في قيادة لبنان الى بر إنتخاب رئيس للجمهورية، ومن هذه المكونات من يعلن ذلك صراحة إنسجاما مع نفسها وإنصافا للرجل، ومنها من يخفيها من باب النكد السياسي والمصلحة الشخصية، وهذه الشريحة تنقسم الى قسمين:
الأول، يقارب المشهد السياسي إنطلاقا من أنانية عالية ونرجسية مفرطة، وشخصانية يهون أمامها أي شيء حتى المصلحة الوطنية.
والثاني، إعتاد الكيدية السياسية وهو أسير أحقاد غالبا ما تسيء الى أصحابها ولا تبني موقفا سياسيا.
منذ دخول الرئيس نجيب ميقاتي المعترك السياسي، كرّس مؤسساته لخدمة أهله وتحديدا أبناء طرابلس والشمال، ربما نسيَ ميقاتي أنه موجود في لبنان وأن مساعدة الناس وهذا أقل الواجب تجاههم، يجب أن يكون محاطا بعدسات التصوير والاستعراضات الاعلامية الفارغة، والصحيح أيضا، أنه رفض هذا النهج وهو مصيب برفضه حتى إعتقد البعض أنه خارج دائرة الاهتمام بطرابلس والشمال، فقابلوا الأخلاق والتسامي في أعمال الخير بالكراهية والاتهامات، في حين أن طرابلس لم تشهد لهم أي إهتمامات أو مبادرات من تلك التي يطالبون الرئيس ميقاتي بها.
لا شك في أن هذا السلوك السياسي القائم على التضليل والخداع وإتهامات الزور لن يطال من قامة وطنية بحجم الرئيس ميقاتي آثر حمل كرة النار وتصدى بصدره لكل الأزمات اللبنانية وحافظ على موقع وهيبة رئاسة الحكومة، ولن يؤثر على نتائج الاستحقاقات الدستورية المقبلة لا سيما ما يتعلق بتكليف رئيس لحكومة العهد الأولى حيث ما يزال ميقاتي الأوفر حظا لتكليفه بتشكيلها، خصوصا بعدما ترك سلسلة من البصمات الايجابية التي جعلته ضرورة قصوى للمرحلة المقبلة الى جانب الرئيس عون لاستكمال العديد من الملفات العالقة، ولكونه شخصية تحظى بالاحترام والتقدير والثقة عربيا وإقليميا ودوليا.
لم يكن الرئيس ميقاتي يوما إلا جزءا من القرار اللبناني، وقد بات اليوم ركنا أساسيا من أركان المشهد السياسي والحياة العامة، ولا يستطيع أي كان تجاوزه كزعيم وطني حافظ على وحدة وسيادة وإستقلال لبنان في أدق مرحلة وفي أصعب ظرف وفي ظل عدوان إسرائيلي غاشم، وبالتالي فإن التصنيفات التي يطلقها البعض بحقه لا قيمة لها لا بل هي تسيء الى أصحابها كونها نابعة من غيرة سياسية على نجاح لم يتوفر على مدار سنتين وثلاثة أشهر إلا للرئيس ميقاتي الذي ترأس في مسيرته السياسية ثلاث حكومات في أوضاع متفجرة، وذلك عقب إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث نقل البلاد من صفة الفوضى الى صفة الاستقرار وأجرى إنتخابات نيابية شهد العالم على نزاهتها، وبالتزامن مع تفجر الثورات في العالم العربي، حيث نأى بلبنان عن البركان الاقليمي وأطفأ الفتنة السنية الشيعية وحافظ على السلم الأهلي، ومع الانهيار الكبير وفتح أبواب جهنم والفراغ الرئاسي والحرب الاسرائيلية حيث أرسى القواعد الوطنية وسار في حقل ألغام الى أن وصل بالبلاد والعباد الى بر الأمان، لذلك فإن كثيرين يرون أن الرئيس ميقاتي قادر على صناعة غد مشرق لهذا البلد في المرحلة المقبلة الى جانب الرئيس عون، خصوصا أنه لم يفرط بلبنانيته ولا بعروبته ولا بسنيّته ولا بطرابلسيته، لكنه أدرك باكرا أن كل هذه الهويات إن لم تكن في خدمة المصلحة الوطنية العليا وفي خدمة لبنان واللبنانيين تكون وبالا على أصحابها..
المصدر: سفير الشمال