شكل “مؤتمر باريس لدعم لبنان” خطوة متقدمة على طريق إحتضان وطن الأرز على الصعيد الدولي والعربي ومساعدته على مواجهة آثار وتداعيات العدوان الإسرائيلي عليه، ما قد يؤسس بعد وقف إطلاق النار لمؤتمرات دعم إضافية للمساهمة في إعادة الإعمار.
ملاحظات عدة يمكن تسجيلها على هامش المؤتمر هي:
أولا: التأكيد على أن لبنان غير متروك دوليا أقله على الصعيد الانساني والمدني، حيث تعهد المؤتمر بأن يصل حجم المساعدات المالية الى مليار دولار، 800 مليون للوضع الانساني و200 مليون دولار للجيش اللبناني، علما أن الجيش في حال تقرر إرساله الى الجنوب تطبيقا للقرار 1701 يحتاج الى أضعاف هذه المساعدة والى تزويده بالأسلحة التي يستطيع من خلالها مواجهة العدو الاسرائيلي الذي لم يوفر ضباط وعناصر الجيش من الاستهداف وعن سابق تصور وتصميم.
ثانيا: نجاح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تكريس تطبيق القرار 1701 بكامل مندرجاته من دون زيادة ولا نقصان، في تأمين الدعم الدولي للرؤية اللبنانية، قاطعا بذلك الطريق على إسرائيل التي تسعى الى قرار 1701 “بلاس” والى أن تتمكن في المرحلة المقبلة من فرض وصاية على لبنان ومشاركة اليونيفل في مهامها، وهذا الأمر مرفوض لبنانيا جملة وتفصيلا.
ثالثا: إجماع المشاركين في المؤتمر (70 دولة و15 منظمة دولية) على ضرورة وقف إطلاق النار والذهاب الى الحلول الدبلوماسية، خصوصا أن إستمرار الحرب لن يؤدي إلا الى مزيد من القتل والتدمير.
رابعا: التمثيل الأميركي شبه المعدوم في المؤتمر، ما ترك سلسلة علامات إستفهام حول هذا الغياب وأسبابه، وعما إذا كان يشكل موقفا متضامنا مع إسرائيل بهدف ممارسة المزيد من الضغط على لبنان ومقاومته وبيئتها، أم أنه يندرج ضمن الخلاف الدائم بين فرنسا والولايات المتحدة حول النفوذ في لبنان؟.
خامسا: قيام الرئيس ميقاتي بتقديم خارطة طريق للحل في لبنان، تتمثل بوقف فوري لإطلاق النار، وتطبيق القرار 1701، وأرسال ثمانية آلاف جندي لبناني الى الجنوب والمباشرة بعد ذلك بالمفاوضات من أجل تأمين الأمن المستدام عند الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية.
سادسا: إعادة إحياء الوثيقة الفرنسية ـ الأميركية التي تقضي بوقف إطلاق النار لمدة 21 يوما، ومن ثم بدء المفاوضات غير المباشرة حول إستدامة الاستقرار، والعمل خلال هذه الفترة على إنتخاب رئيس للجمهورية.
سابعا: إستعادة لبنان الرسمي ثقة المجتمع الدولي، حيث أن المساعدات المالية التي أقرها المؤتمر ستوضع بتصرف الحكومة اللبنانية التي تعهد رئيسها نجيب ميقاتي بأن تكون الشفافية والمحاسبة أساس عمليات صرفها على النازحين والأمور الملحة الناتجة عن العدوان الاسرائيلي على لبنان.
يمكن القول، إن مؤتمر باريس نجح على صعيد تأمين المساعدات المالية التي جاءت وفقا للطموحات اللبنانية، إلا أنه أكد من جانب آخر أن أميركا ماضية في دعم إسرائيل في عدوانها على غزة ولبنان على حد سواء من أجل ضرب البنية العسكرية للمقاومة، وأن أوروبا عاجزة عن التأثير في الموقف الأميركي ـ الاسرائيلي وعن ممارسة الضغط لوقف إطلاق النار.
لذلك، فقد غطت أوروبا عجزها بمؤتمر دعم لبنان في باريس، ما يشير الى أن وقف الحرب ما يزال صعبا، وأن للميدان الكلمة الأولى والأخيرة وفقا للنتائج التي لا تصب في مصلحة إسرائيل التي تواجه يوميا إخراج العشرات من الضباط والجنود من الخدمة العسكرية إما قتلى أو جرحى، لذلك كانت ثمة إشارة من وزير الحرب الاسرائيلي أننا “بتنا قادرين على وقف الحرب بعد أن قضينا على الهيكلية القيادية للمقاومة”، ما يوحي بأن إسرائيل تمهد لهذا الأمر بعد إدراكها بأنها بدأت تخوض حرب إستنزاف مع المقاومة التي تلحق بها الخسائر الكبرى وتمنع جيشها من تحقيق هدف إحتلال جزء من الشريط الحدودي.
المصدر: سفير الشمال