شكلت القمة الروحية التي عقدت في الصرح البطريركي في بكركي مظلة أمان داخلية في ظل العدوان الاسرائيلي على لبنان، خصوصا أنها شددت على ضرورة تمتين الوحدة الوطنية في وجه الهجمة الصهيونية الشرسة، وعلى تطبيق القرار الدولي ١٧٠١، ودعوة المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، فضلا عن التشديد على ضرورة إنتخاب رئيس وفاقي للجمهورية قادر على التعاطي مع كل الأطراف اللبنانية.
وجاءت هذه القمة في وقت يسعى فيه العدو الى نقل النيران المشتعلة على جبهة الجنوب الى الداخل اللبناني، سواء بالاستهداف المستمر لبيئة المقاومة لتأليبها عليها وإيجاد أصوات معارضة لها، أو باستهداف البيئات الحاضنة لبيئة المقاومة بحجة وجود قيادات وعناصر لحزب الله، بهدف إيجاد شرخ في ما بينها يضاعف من الضغط ويؤدي الى توترات أمنية داخلية تريح إسرائيل في عدوانها وتربك المقاومة.
كما جاءت هذه القمة بالتزامن مع إطلاق أمر عمليات لبعض التيارات والشخصيات من سياسية وحزبية وإعلامية لتبني الرواية الاسرائيلية والنفخ في بوق الطائفية والمذهبية كما حصل بعد العدوان الغاشم على النازحين الآمنين في بلدة أيطو في قضاء زغرتا.
لا يختلف إثنان اليوم على أن سلاح الوحدة الوطنية يوازي سلاح المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، لذلك فإن البيان الصادر عن القمة الروحية بحاجة ماسة الى ترجمة فعلية في كل العظات وخطب الجمعة والمواقف السياسية للمرجعيات الدينية المشاركة فيها، خصوصا أن العديد من هذه المواقف تتأرجح في بعض الأحيان بحسب أهواء بعض التيارات التي تضغط من أجل إنتزاع مواقف تتناسب مع توجهاتها.
ولا شك في أن الاجماع على بيان القمة الذي شهدت مسودته أخذاً ورداً نتيجة الخلافات على بعض المصطلحات والعبارات التي تمت تسويتها قبل الاجتماع، ما جعل القمة تخرج بأبهى صورة، من المفترض أن تدفع بكل المشاركين من مفتين وبطاركة ومطارنة ومشايخ الى ضبط البيئات اللبنانية، والتصدي لكل الأصوات النشاز التي تعمل على إضعاف الجبهة الداخلية خدمة لأجندات خارجية يلتزم بها البعض ويجاهر فيها، خصوصا أن لبنان اليوم يواجه أخطر مرحلة في تاريخه وتحتاج الى كثير من الوعي والحكمة، وتأجيل كل الملفات الخلافية الى أن تضع هذه الحرب الشرسة أوزارها.
كذلك، يفترض بالمرجعيات الدينية المشاركة في قمة بكركي العمل على تقريب وجهات النظر والتفتيش مع التيارات السياسية على القواسم المشتركة التي تساهم بعد وقف إطلاق النار في إنهاء الفراغ الدستوري وإنتخاب رئيس جديد للجمهورية قادر على قيادة المرحلة المقبلة، وملاقاة بيان اللقاء الثلاثي الذي عقد في الثاني من الشهر الجاري في عين التينة، وضم الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي والزعيم وليد جنبلاط الذي زار يوم أمس الرئيسين، وأكد على الثوابت بما في ذلك طرح الرئيس ميقاتي الالتزام بإتفاق الطائف وتجاوز الحديث عن القرارات الدولية التي تؤدي الى فتنة وشرخ في المجتمع اللبناني.
كل ذلك يضع القمة الروحية التي نجحت بحسب كل المشاركين، أمام مفترق طرق، فإما أن يتحول بيانها الى “حبر على ورق” اذا لم يبذل المعنيون الجهد الكافي لترجمة بنوده على أرض الواقع، أو أن يساهم في تخفيف الاحتقان والضرب على يد مروجي الفتن وكل من يحاول الاصطياد في الماء العكر، خصوصا أن الميدان اليوم يساعد على ذلك، في ظل المواجهات البطولية لرجال المقاومة على الجبهة الجنوبية والذين يمنعون العدو من التوغل داخل الأراضي اللبناني، وهم وحدهم اليوم يستطيعون إيلام العدو وإلحاق الخسائر بضباطه وجنوده ودباباته وآلياته، ودفعه الى القبول بوقف إطلاق النار والذهاب الى المفاوضات وصولا الى تسوية عادلة تقضي بتطبيق القرار ١٧٠١ بالتساوي بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي.
المصدر: سفير الشمال