الاستهداف الإسرائيليّ الجديد الذي شهدته مدينة صيدا، أمس الأربعاء، وأسفر عن استشهاد القياديّ في كتائب “شهداء الأقصى” خليل المقدح، فتح الباب أمام معركةٍ جديدة اختارت إسرائيل خوضها داخل لبنان وتحديداً ضدّ فصيل مُرتبط مباشرة بـ”فتح”.
من منطقة الإسماعيلية بين المية ومية في عين الحلوة، انطلق المقدح حيث كان في زيارة عائلية، وعند الطريق الأساسية، جاء القصف من قبل طائرة مُسيرة، وهو الأول من نوعه في المنطقة المذكورة منذ بدء مناوشات جنوب لبنان يوم 8 تشرين الأولالماضي.
ما قيلَ عن أدوار المقدح ليس عادياً، فمسألة تصفيته في هذا التوقيت تضعُ الجبهة الفلسطينية داخل لبنان أمام مرحلة جديدة، فـ”فتح” باتت إلى جانب “حماس” ضمن دائرة الاستهداف، فيما الرسالة الأبرز هنا موجهة إلى قيادة “فتح” التي اختارت الإنتقال إلى قطاع غزة.
إذاً، فإن إستهداف المقدح يوم أمس وضع “فتح” و “حماس” ضمن خانة واحدة، بينما الرسالة الأقوى موجهة إلى “حزب الله” أيضاً كون التنسيق القائم بينه وبين الحركتين قائم داخل لبنان وفي الداخل الفلسطيني.
أدوار المقدح “مركزية”
ما تكشفه المعلومات عن المقدح هو أن دوره كان مركزياً بين لبنان والضفة الغربية، وتقول المصادر الفلسطينية عنه إنه كان مسؤولاً عن تنسيق عمليات تخوضها كتائب “شهداء الأقصى” بين لبنان وفلسطين، كما أنه من الجهات التي كانت تديرُ مهام تأمين لوجستيات ومعدات حربية على جبهة الضفة.
المقدح، ورغم دوره الكبير، كان يتخذ إجراءات أمنية “غير مشددة”، علماً أنه ومع أطراف أخرى محددة، كان على علمٍ بمكان تواجد شقيقه منير المُقدح الذي توارى عن الأنظار منذ فترة بعد تلقيه تحذيرات من حصول استهداف إسرائيلي، واطل يوم أمس خلال مراسم عزاء شقيقه داخل مسجد النور في مخيم عين الحلوة.
عملياً، فإن استهداف خليل المقدح هو رسالة لشقيقه منير أيضاً الذي بات عملياً مسؤولاً مركزياً ومحورياً لقيادة كتائب “شهداء الأقصى”، علماً أن خليل المقدح كان على تواصلٍ مع حركة “حماس” في لبنان، فالمسؤولية المشتركة بين الطرفين كانت “تنسيقية” وتعني الداخل الفلسطيني حصراً، بينما لا علاقة لعمليات “حماس” في لبنان بمهام “كتائب شهداء الأقصى”.
عملياً، فإنّ كل فصيل له أدواره العسكرية على صعيد الجبهة اللبنانية، بينما المفارقة الأكثر تأثيراً ترتبط بأن كتائب “شهداء الأقصى” لم تنفذ أي عملية من لبنان باتجاه إسرائيل، ما يجعل من أدوارها فلسطينية بحتة وعلى صعيد جبهة الضفة الغربية وغزة فحسب.
رسالة إلى المخيمات الفلسطينية
بشكل أو بآخر، فإن مسألة استهداف كتائب “شهداء الأقصى” انطلاقاً من لبنان جاء أيضاً بمثابة انتقام إسرائيليّ من أحداث الضفة التي ترى إسرائيل فيها جبهة متصاعدة. وما يتبين من خلال المخطط الحالي، هو أنّ تل أبيب تسعى إلى ضرب أجنحة الكتائب خارج الضفة وتحديداً ضمن لبنان، وبالتالي إحباط أي محاولة للتوسع العملياتي في الداخل الفلسطيني باعتبار أن هذا الأمر يشكل ضغطاً كبيراً على الإسرائيليين.
أيضاً، فإن ما جرى على صعيد الاغتيال الأخير وما سبقه أيضاً من اغتيال لسامر الحاج في صيدا قبل أسبوعين، وهو مسؤول في حركة “حماس، أعطى رسائل أيضاً باتجاه المخيمات الفلسطينية بأن كافة القادة والمسؤولين فيها باتوا تحت الرصد الإسرائيلي.
الأمر الأخطر هو ما تحذر منه مصادر فلسطينية من أن إسرائيل تُصعد عمليات الاغتيال ضد الفلسطينيين وفي محيط المخيمات، وذلك بهدف دفع سكانها للنزوح والتشتّت في الداخل اللبناني، ما يعني تفكيك المخيمات تحت وطأة النار والاغتيالات.
أحد قياديي حركة “فتح” تحدّث عبر “لبنان24” محذراً من سيناريو استهداف المخيمات أيضاً على قاعدة أن إسرائيل تُمارس الإبادة بحق الإنسانية، مشيراً إلى أنّ المخطط كبير جداً وهدفه ضرب أساس المخيمات لاسيما مخيم عين الحلوة الذي يمثل نسيجاً كبيراً للقوى الفلسطينية.
أين “حماس” من الإستهداف؟
الأمر الأكثر بروزاً هنا هو أن تصفية المقدح كانت مُفاجئة، فلم يكن وارداً لأي طرف أن تكون جبهة “فتح” هي المستهدفة بعكس ما كان يحصل سابقاً حينما كانت إسرائيل تستهدف عناصر “حماس” وقادتها في لبنان.
ضُمنياً، فإن ما يمكن أن يؤسس إلى التقاء “حماس” و “فتح” على جبهة واحدة انطلاقاً من العمل الفلسطيني المُشترك داخل لبنان، وتعوّل مصادر فلسطينية في لبنان على هذا الأمر باعتبار أن توحيد الساحات الفلسطينية هو هدفٌ مطلوب وغاية لا بد من تحقيقها.
ما يجب استنتاجه أيضاً، بحسب المصادر، هو أنّ المعركة الحالية يجب أن توجّه ضربة إلى إسرائيل من خلال “توحيد الجهود” والعمليات، علماً أن كتائب “شهداء الأقصى” هي فصيلٌ مقاتل إلى جانب “حماس” في قطاع غزة، وبالتالي فإن أي تنسيق أو تماس سيجعل الأمور أكثر سلاسة ميدانياً وعسكرياً.
لهذا السبب، تعوّل المصادر عن تعزّز الترابط بين “حماس” و ” فتح” بعد ضربة اغتيال المقدح، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر يقطع الطريق أمام الإسرائيليين لاستغلال أي أزمة داخلية في لبنان لتأجيج أوضاع المخيمات من جهة، وفي المقلب الثاني يعزّز آلية عمل الحركتين لتكثيف التعاون أكثر داخل لبنان ومنع الإسرائيليين من استغلال الأوضاع لصالحهم.