منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي، تحمّل قوى المعارضة بمختلف مكوّناتها، مسؤولية الفراغ الرئاسي إلى معسكر “حزب الله” وحلفائه، بذريعة أنّه يحاول فرض معادلة “مرشحي أو لا أحد”، في إشارة إلى رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، المصنَّف في قاموس هؤلاء “مرشح حزب الله”، وبحُجّة أنه يتلطّى خلف “بدعة الحوار”، وفق توصيف هؤلاء، لتعطيل المسار الديمقراطي المفترض للاستحقاق الرئاسي.
وتذهب بعض قوى المعارضة أبعد من غيرها في المواجهة، كما تفعل “القوات”، التي تصوّب بصورة خاصة على رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تتهمه بمخالفة الدستور برهن الدعوة البديهية إلى جلسات انتخابية بحوار أو تشاور غير دستوريّين، ولا توفّر “التيار الوطني الحر” من الحملات، رغم التقاطع الذي جرى بين الطرفين على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، أو بعبارة أدقّ، على “قطع الطريق” على ترشيح فرنجية.
إلا أنّ اتجاهًا جديدًا بدأ يتصاعد في الأيام الأخيرة، بالتوازي مع ما يمكن وصفه بـ”سقوط مبادرة المعارضة”، هو إضافة فريق ثالث إلى دائرة الاتهام، وهم “نواب الوسط”، الذين يقفون “على الحياد”، وهو ما عبّر عنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع صراحةً قبل يومين، حين قال إنّه لا يمكن لموقف النائب أن يكون “زئبقيًا”، وتاليًا، لا يمكنه الوقوف في الوسط، “ما بين الخير والشرّ، او الجيّد والسيئ”، على حدّ وصفه.
انتقادات جعجع ليست الأولى
في كلمة ألقاها خلال العشاء السنوي لإذاعة “لبنان الحر”، لم يكتفِ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بهجومه المعتاد على “فريق الممانعة” و”التيار الوطني الحر”، اللذين يحمّلهما بالمُطلَق مسؤولية الفراغ الرئاسي، ولكنّه انتقد أيضًا النواب الذين يقفون في الوسط، “ويتهرّبون من المواجهة تحت شعار أنهم ضد الاصطفافات”، وفق قوله، مطالبًا إياهم باتخاذ مواقف واضحة وجريئة، خصوصًا في المسائل الجوهرية، “أيًا يكن هذا الموقف”.
ويلفت العارفون إلى أنّ انتقادات جعجع للوسطيّين ليست الأولى من نوعها، وإن كان قد حصرها سابقًا بنواب “التغيير”، أو مجموعة محدّدة منهم، دونًا عن غيرهم، فيما يبدو اليوم كمن يوسّع الإطار، ليشمل كل النواب المتموضعين في “الوسط” بمعزل عن مسمّياتهم، علمًا أنّ مشكلة جعجع مع هؤلاء النواب تعود إلى اليوم التالي للانتخابات النيابية، حين احتسبهم “الحكيم” ضمن حصّة “المعارضة”، ليباغتوه بشعار “كلن يعني كلن”، بما يشمل “القوات” أيضًا.
من هنا، يُفهَم تصعيد جعجع ضدّ نواب “الوسط” الذين يقفون “على الحياد”، على أنّه “ضغط” على هؤلاء لاتخاذ موقف، استنادًا إلى معادلة “مع حزب الله أو ضدّه”، حيث يعتبر رئيس حزب “القوات” أنّ عدم التموضع مع المعارضة، ولو تحت عنوان “التقاطع”، لا يخدم سوى “حزب الله”، خصوصًا أنّه يُفقِد المعارضة الأغلبية المطلوبة لتأمين فوز مرشحها، ولو أنّ هناك من يؤكد أنّ أصوات المستقلّين لا تفيد، طالما أنّ نصاب الثلثين يبقى بيد “الثنائي”.
هل تتبنّى المعارضة هجوم جعجع؟
إذا كان هجوم جعجع على نواب “الوسط”، ونواب “التغيير” قبلهم، يمكن أن يُفهَم “شخصيًا” في مكان ما، وهو الذي سبق أن هاجم شخصيًا بعض النواب المنضوين في هذا الخط، كإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور، فإنّ انتقاداته تطرح علامات استفهام بالجملة، سواء عمّا إذا كانت كتل “الوسط” مشمولة بهذا الهجوم، ككتلتي “اللقاء الديمقراطي” و”الاعتدال” اللتين تسعيان لتقريب وجهات النظر، وإن كانت المعارضة بكلّ مكوّناتها تتبنّى هذا الهجوم.
تقول أوساط المعارضة إنّ ما عبّر عنه جعجع في كلمته الأخيرة يعبّر بلا شكّ عن رأي متصاعد في صفوف مختلف أطراف المعارضة، التي تراهن أساسًا على أنّ كتل “الوسط” ستكون إلى جانب المعارضة في حال الوصول إلى دورة ثانية في أيّ جلسة انتخابية، لكنّ عدم حصول ذلك من الآن يجنّب فريق “الثنائي” ضغطًا جوهريًا يمكن أن يتعرّض له، ويكرّسه بصورة “المعطّل”، إذا ما كانت الأكثرية النيابية متوافرة عدديًا لصالح مرشح محدّد، بمعزل عن النصاب.
لكنّ هذه الأوساط تلفت إلى أنّ الانتقادات التي وجّهها جعجع تبقى محصورة بالنواب الذين يرفضون اتخاذ وسط، إما على طريقة تبنّي شعار “كلن يعني كلن” غير المفيد، أو على طريقة “مسايرة الجميع”، إلا أنّها تجزم أنّ ذلك لا يسري على كل الكتل التي تقوم بمبادرات، علمًا أنّ كتلة “اللقاء الديمقراطي” مثلاً، وإن كانت تتموضع في الوسط، إلا أنّ مواقفها واضحة من مختلف المسائل، وسبق أن صوّتت إلى جانب المعارضة في العديد من الجلسات الانتخابية.
قد لا تتّفق المعارضة بكلّ تلاوينها، على تحميل نواب “الوسط” مسؤولية الفراغ الرئاسي، تمامًا كما قد تختلف على طريقة التعاطي مع “التيار الوطني الحر”، بين من يرى فيه “خصمًا”، يستغلّ “التقاطع” معها لتحقيق مكاسبه، ومن يعتبر التقاطع معه “فرصة لا بدّ من الاستفادة منها”. لكنّ ما تتقاطع عليه قوى المعارضة أيضًا، هو أنّ “الرمادية” ما عادت مسموحة في المعركة، فالمطلوب من كل النواب تحمّل مسؤولياتهم.. على قاعدة “يا أبيض يا أسود”!