لا يمر يوم على الحيآة السياسية في لبنان الا ويخرج نواب من التيار الوطني الحر ومن القوات اللبنانية وقوى اخرى بمواقف شعبوية دستورية في الظاهر وغير ذلك في المضمون او تكاد في الباطن ، فهم جميعهم يرفضون انعقاد مجلس الوزراء وينتقدون الحكومة فيما لو التامت و كل مواقفه يرفع الصوت تارة وينتقد تارة ويأسف اطوارا ويعرب عن استنكاره في كل الاوقات، ويؤكد اصحاب هذه المواقف دائما على مسار دستوري وعلى التزام رئاسي جمهوري في ومن خلال دعوته الحكومة الى عدم الانعقاد .
ويلجا في الوقت عينه وزراء التيار الوطني الحر محرضين وفي مواقف علنية عبر وسائل الاعلام الى توجيه شبه الشتائم الى رئيس الحكومة التي تصل الى حد النيل مرات من كل ما يقوم به الرجل في المرحلة الراهنة .
ولكن في المقابل نسجل للقوات اللبنانيه تناقضات معينة ، وذلك انطلاقا مثلا من موقف رئيسها رئيس القوات اللبنانية الاخير الذي يدعو فيه الحكومة للتحرك فورا فيما يتعلق بالشان الجنوبي ويرفض بالتالي اخضاع لبنان لنتائج حرب غزة وما الى هنالك ، ليكون السؤال اي حكومة هذه التي يطالبها الحكيم سمير جعجع هل هي الحكومة التي يرفض عقد جلساتها .
ثم نعود الى مواقف التيار الوطني الحر واخر هذه المواقف ما يصدر عن وزير الدفاع الذي يقول لدى دخوله الى مكتب رئيس الحكومة ان الامتناع عن المشاركة في جلسات الحكومة انما يعبر عن موقف دستوري ثابت لا ينبغي الخروج عنه، ولا يمكن العودة عنه، ولكن في الوقت عينه يسعى معالي الوزير الى وضع بنود في جداول جلسات الحكومة ولدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهذا الامر يقوم به وزراء اخرون من الوطني الحر في الحكومة حيث يقاتلون اذا صح التعبير ويناقشون ويجادلون لوضع بنود لدى الامانة العامة لمجلس الوزراء ولوجوب ان تقر في جلسات الحكومة ، ودائما وللتذكير فانهم لا يشاركون في هذه الجلسات ويذيعون في مواقفهم التي تصدر عن رئيس التيار ورئيس التكتل النيابي النائب جبران باسيل مواقف منتقدة لرئيس الحكومة ولاداء رئيس الحكومة الحكومي.
في الواقع ان الحديث عن التمزق الدستوري في لبنان لا يتعلق ابدا باداء الرئيس نجيب ميقاتي الذي يقوم في هذه الاثناء بخطوات متتالية ثابتة المسار ، وطنية المسؤولية على ارض العملانية فيحافظ على مهمة مجلس الوزراء في توقيت صعب محفوف بالتعطيل والفراغ ، وينزع اكثر من فتيل ازمة في البلد ويدفع باتجاه حلحلة لكثير من الملفات العالقة بدءا من رواتب القطاع العام مرورا بتعينات عدة وانهاء الاشكاليات العالقة هنا وهناك وتجاوز عراقيل وضعها وتسبب بها الفراغ الدستوري في مواقع مختلفة في الدولة اللبنانيه ومراكزها المختلفة الفئات رابعة وثالثة وثانية واولى، هذا الى جانب معالجاته الجانبية غير المعلنة لقضايا عالقة ولخلافات تنشا من خلال الاداء الرسمي على ارض الواقع.
السؤال هنا يطرح ببديهية ، ماذا لو استمع الرئيس ميقاتي الى توترات القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وبعض الاصوات المسيحية الاخرى ولم يعقد اي جلسة لمجلس الوزراء هل كان مثلا يمكن للسادة الوزراء ان يحتملوا مثلا ما لحق بالقطاع العام من خسائر وضعته في زاوية الحياة وفي موقع حرج ؟ وماذا كان ليحصل على مستوى كل المسالك التي ينتهجها الرئيس ميقاتي بالحكومة مجتمعة لاخراج المآزق من بئر العنتريات الدستورية في البلد؟ وماذا امكن ايضا للوزراء الذين لا يحبذون عقد جلسات لمجلس وزراء وماذا ايضا امكن للقوى السياسية التي تنتقد هذه الجلسات ان تفعل امام التطورات المالية التي تتبعها رئيس الحكومة خطوة خطوة وصولا الى كبح جماح الدولار ومنع تهوره الذي كان ينشا من تلاعب عصابة امسكت بتسعير الدولار وامسكت برقبة اللبنانيين في الوقت عينه ، ماذا كان لهؤلاء ان يفعلوا؟
غدا قد يعود النجيب الى رئاسة الحكومة وقد لا يحصل ذلك، و قد ياتي رئيس حكومة جديد في ظل عهد جديد ، وبالانتظار يبدو انه يجب على السادة كثيري الانتقاد حرصا علنيا على الدستور ان يذهبوا فورا الى تعديل دستوري بديهي يؤمن انتخاب رئيس الجمهورية في غضون اسبوعين او شهر على الاقل وعدم المشاركة بشكل فعال جدا في التعطيل الدستوري ومنع انتخاب رئيس الجمهورية وحيث ينطلق كل من شهوته الرئاسية وانطلاقا من طلبه الشخصي الذاتي لدى قوى الامر الواقع في العالم لكي يكون هو الرئيس المحظي لكي يكون هو الرئيس الذي سيحكم البلاد في المرحلة المقبلة، ولذلك يهون عليه ان يقول مثلا انه يفضل 1000 مرة ان يبقى الفراغ الرئاسي على ان ياتي فلان او علان كرئيس للجمهورية.
المسألة لا تتعلق ابدا باداء نجيب ميقاتي الذي تمكن بالامس القريب من فك عقدة تزويد محطات الكهرباء بالمحروقات نتيجة سياسة ما في وزارة معينة ، وهو ينقذ اللبنانيين من خلال اصراره على تفعيل دور مؤسسة مجلس الوزراء ، انما يتعلق برؤوس لا تحتمل ان تشتغل المؤسسات اذا لم تكن هي مسيطرة عليها ليكون السؤال هل فعلا يطرح اي من القوى السياسية في البلد ان يكون شريكا اساسيا في قصر بعبدا لكي يسمح بتمرير الاستحقاق الرئاسي؟ هل فعلا يحصل ذلك في الكواليس؟و لماذا لا يكشف رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن هذا الامر او لماذا لا يكشف حزب الله او لماذا لا تفعل ذلك الخماسية لماذا لا تفصح الخماسية عن مضمون المداولات مع الزعماء المسيحيين حول الاستحقاق الرئاسي؟
نعود لمسالة انعقاد الحكومة وهذا موضوعنا في هذا المقام، حيث يبدو التاكيد اساسيا على ان انعقاد جلسات الحكومة ليس مسألة خاضعة للنقاش يمكن لنا ان نقول عنها الان نعم ونقول عنها مساء لا، القضية ليست مسألة مزاجية ، انها مساله تتعلق بالضرورة الواقعية في مقابل الهشاشة الدستورية ، انها تتعلق بالحتمية الإيجابية لتلافي بعض السلبية او الكثير من السلبية في مقابل تعطيل متعمد في البلد لسياق ومسار انتخاب رئيس للجمهورية .
ان جلسات الحكومة لابد ان تلزم رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بان يعلن الان او غدا عن الانجازات، التي تمكن في جلسات متتالية تعرض بسببها للانتقاد، من القيام بها وتقديمها لللبنانيين في زمن التعطيل والبطالة والتطبيل والتزمير والتخريف والتزييف والفلسفات الدستورية الحامضة التي لا تقدم ولا تؤخر.
ذلك فيما البلد يحتاج الى التزام بالدستور نعم ولكنه يحتاج الى اتزان وثبات في المواقف كي لا ينفضح البعض هنا او يعرج هناك او يخرج عن طوره هنالك ، وبالتالي فان الحكومة تجتمع لضرورات ونجيب ميقاتي يملا فراغا في البلد ينتج ازمات هنا ويفرمل تهورا ويكبح جماح تزمت ، ترى هل سيكرم لبنان في تاريخه الحاضر هذا الرجل ام ننتظر التاريخ لينصفه غدا في معرض تتقييمه هذه المرحلة البالغة التعقيد.
محمد الحسن