قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن سماح النظام الإيراني للإصلاحي، مسعود بزشكيان، بالترشح إلى الانتخابات الرئاسية ومن ثم الفوز بها، يأتي باعتباره “خيارنا أمناً” بعد إقصاء الإصلاحيين ذوي الوزن الثقيل.
وفاز جراح القلب البالغ من العمر 69 عاماً، السبت، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية أمام المرشح المحافظ المتشدد، سعيد جليلي.
وفي المرة الأخيرة التي سعى فيها بزشكيان إلى الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2021، تم منعه ومعسكره الإصلاحي بأكمله من الترشح.
لكن هذه الانتخابات، سمحت السلطات الإيرانية لجراح القلب بالترشح، وهو ما كان بمثابة إشارة إلى أن المؤسسة الإيرانية اعتبرته “خياراً آمناً”، وفق “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيفة عن مدير مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، علي فايز، قوله إن بزشكيان كان “رهانا آمنا” للنظام، و”فريدا من نوعه في عدم التعهد بأي التزامات ملموسة، والتركيز بدلا من ذلك على نهجه في الحكم مع الاعتراف بالقيود التي قد يواجهها كرئيس”.
وأضاف فايز: “لم تكن الأصوات التي صوتت له نابعة بالضرورة من الأمل في الأفضل، بل من الخوف من الأسوأ”.
وكان فوز بزشكيان بنسبة 53 بالمئة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات، بمثابة إشارة إلى مستوى القلق العام إزاء السياسات المتشددة التي تبناها خصمه، وفق الصحيفة، حيث مكن نهج بزشكيان الحذر والمتواضع في التعامل مع السياسة من “البقاء على قيد الحياة”، في حين تم إبعاد الإصلاحيين السياسيين ذوي الوزن الثقيل من الساحة السياسية.
ويُعد الرئيس الإيراني، المسؤول الثاني في البلاد بعد المرشد الأعلى، حيث يشرف على السياسة الاقتصادية ويعين صناع القرار رفيعي المستوى.
ومع ذلك، يمكن للمرشد الأعلى أن يمنع أي شخص من تولي هذا المنصب، كما يمكن للبرلمان أن يفعل ذلك، الأمر الذي يترك للرئيس نفوذا ضئيلا على المسائل الأمنية والعسكرية.
وفي لفتة مميزة، على حد تعبير الصحيفة، أشار بزشكيان بعد الفوز إلى أنه سيعمل مع المتشددين، وهو النهج الذي سيكون ضروريا بالنسبة له لتجنب الصدام مع النظام، حيث يملك المرشد الأعلى علي خامنئي الكلمة الأخيرة.
وقال بزشكيان في تصريح للتلفزيوني الرسمي: “سنمد يد الصداقة للجميع، وعلينا أن نستخدم الجميع من أجل تقدم البلاد”.
ومع ذلك، لا يزال بزشكيان يتمتع بـ “سمعة الغريب”، حيث ولد في غرب إيران لعائلة من أقلية عرقية، وهو يتحدث اللغة الأذرية، لغة والده التركية، الأمر الذي جعله يحظى بشعبية كبيرة بين المجتمعات التي كانت تطالب في كثير من الأحيان بمزيد من الحكم الذاتي في الدولة التي يهيمن عليها الفرس، وفق الصحيفة.
ورغم انتقاد بزشكيان لحملة القمع المميتة ضد المتظاهرين الذين عارضوا شرعية إعادة انتخاب أحمدي نجاد في عام 2009، فإنه تجنب في كثير من الأحيان التصريحات العدائية حول القمع من قبل النظام الإيراني.
وكما كان غير معروف في إيران قبل الحملة الانتخابية، فإنه لم يكن معروفا أيضا في الغرب، وفقا لمسؤولين غربيين تحدثوا لـ”وول ستريت جورنال”.
كذلك، قال مسؤولون أميركيون للصحيفة إنهم يتوقعون أن يبقي بزشكيان قناة الحوار التي أقيمت مع حكومة إبراهيم رئيسي، مفتوحة للسيطرة على التوترات.
وهذه الانتخابات التي جرت دورتها الأولى في 28 حزيران نظمت على عجَل لاختيار خلف لإبراهيم رئيسي الذي قتل في حادث مروحيّة في 19 أيار الماضي.
وعندما توفي رئيسي، كان اثنان من الرؤساء الإصلاحيين السابقين، محمد خاتمي وحسن روحاني، خارج الصورة بالفعل، حيث تم تهميشهما لسنوات من قِبَل المؤسسة المتشددة، كما تم منع علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق المعتدل، من الترشح، بما يتماشى مع اتجاه خامنئي لتهميش الساسة خارج المعسكر المحافظ.
ومع ذلك، أفلت بزشكيان من “العقاب”، مستفيداً من جهد واضح لحث المزيد من الناخبين على الإدلاء بأصواتهم بعد أن حضر أقل من نصف الناخبين في انتخابات الرئاسة في عام 2021 وانتخابات البرلمان في آذار من هذا العام، وفقا للصحيفة، حيث أرسل انخفاض الإقبال وموجة الاحتجاجات في عام 2022، رسالة مفادها أن غالبية الإيرانيين يرفضون النظام الآن.
وفي جولة الإعادة في الانتخابات الحالية، عاد الناخبون إلى صناديق الاقتراع، حيث بلغت نسبة المشاركة 49.8 بالمئة، مقارنة بـ40 بالمئة في الجولة الأولى.
وتعتبر “وول ستريت جورنال” أن بزشكيان قد قدم نفسه في هذه الانتخابات باعتباره “الترياق لعودة المتشددين”، حيث تجنب بعناية تجاوز الخطوط الحمراء للنظام، وانتقد تجاوزات شرطة الأخلاق، لكنه لم يدع إلى إنهاء الحجاب الإلزامي.
وخلال الحملة الانتخابية، تمسك الإصلاحي أيضا بمبادئ السياسة الخارجية الأساسية للنظام، حيث تعهد بـ”حماسة” بالولاء للنظام السياسي، وأشاد بالقائد العسكري قاسم سليماني، الذي هندس تحالفات إيران مع الميليشيات في الشرق الأوسط قبل مقتله في ضربة أميركية عام 2020 ، وفق الصحيفة.
كذلك، أوضح بزشكيان أنه لا ينوي تغيير رفض إيران الاعتراف بإسرائيل، وقال: “إن شاء الله سنحاول إقامة علاقات ودية مع جميع الدول باستثناء إسرائيل”.
وبعد فوزه بالانتخابات، السبت، ألغى بزشكيان مؤتمراً صحفياً من أجل لقاء خامنئي، كما عرض لفتة أخرى من الولاء للحكم الديني المحافظ، وفق الصحيفة، حيث حدد موعدا لإلقاء خطاب النصر في ضريح مؤسس الجمهورية الإسلامية، روح الله الخميني.
المصدر: الحرة