بعد مرور أشهر طويلة على الفراغ الرئاسي والمعركة السياسية التي خاضها “التيار الوطني الحرّ” ضدّ حكومة تصريف الأعمال باعتبارها فاقدة للصلاحيات، بحسب رأيه، بات من الواضح أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تمارس مهامها بانسيابية كبيرة بحيث لم يتمكّن أحد من تعطيل دورها رغم كل المحاولات.
لستُ هُنا في وارد الحديث عن انتصار أو هزيمة على المستوى السياسي لفريق على آخر، ولكن الأكيد أن هذه المرحلة الحساسة التي مرّت على لبنان، الذي لا يزال عالقاً في منتصف الأزمة، أثبتت أنّ حكومة ميقاتي هي حاجة وطنية وليست كما اعتقد البعض، “تعليمة” سياسية، بحيث كان من غير الممكن ترك البلاد رهينة للفراغ الكامل من دون سلطة قادرة على ممارسة صلاحياتها للامساك بالبلاد خوفاً من انزلاقها التام نحو المجهول.
ولعلّ تراكم الأزمات في لبنان واستفحالها، سواء على المستوى الاقتصادي والمعيشي أو على مستوى ملفّ النزوح السوري السّاخن والموضوع اليوم على طاولة المباحثات، والتي تتصّدى لها الحكومة اللبنانية بحكمة ووعي منذ اليوم الاول على الفراغ الرئاسي في قصر بعبدا، ما هو الا دليلا دامغا على صوابية خيارات ميقاتي بمتابعة مهامه من خلال السلطة التنفيذية لإنجاز العديد من الملفات العالقة بمعزل عن كل المناكفات السياسية والاستهدافات التي طاولته، وهذا ما تعترف به اليوم كل القوى السياسية بلا استثناء، حيث باتت الحكومة معترفاً بها حتى من قبل خصومها السياسيين وعلى رأسهم “التيار الوطني الحر” الذي اعترف بشكل أو بآخر في أكثر من استحقاق، وإن لم يكن بشكل علني، بهذه الحكومة.
من جهة أخرى فإن ظروف الحرب الراهنة، أثبتت أن حكومة ميقاتي تخطّت كونها حاجة داخلية، فهي بالاضافة الى لعبها دوراً جدياً في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره ومنع توسّع رقعة الحرب من خلال علاقات ميقاتي الدبلوماسية والدولية الواسعة، ومساعدة المهجّرين اللبنانيين قدر الإمكان وتأسيسها لخطة طوارىء تحسّباً لكل التطورات، أصبحت اليوم حاجة اقليمية ودولية يتباحث معها معظم الديبلوماسيين والموفدين الذين يعملون على خطّ التهدئة مع لبنان.
من هُنا فإنّ حكومة ميقاتي المُعترف بها اليوم بشكل واسع، سواء على المستوى المحلي او الدولي، تخوض معركة اخرى على جبهتها الرسمية تتركّز حول فرملة اندفاعات “حزب الله” في الردّ على العدوان الاسرائيلي، وذلك نظراً للعلاقة الجيدة التي تربط رئيس الحكومة “بالثنائي الشيعي” عموماً، والتواصل المستمر مع “الحزب” لعدم الانجرار الى حرب واسعة مهما كانت التحدّيات والاستفزازات من قِبل العدوّ، اضافة الى صدقيته التي أثنى عليها الجميع محلياً ودولياً ومستوى التوازن في البيانات والتصريحات التي أكدت في اكثر من مرة رغبة ميقاتي بالحفاظ على الوحدة الوطنية من جهة ومتانة العلاقات الخارجية التي تشكّل نقطة قوّة للبنان.
هذا التوازن الذي يقيمه ميقاتي في أشدّ الفترات دقّة وحساسية يثبت يوماً بعد يوم أنه رجل المراحل الصعبة، وما قراره بقبول تولّي رئاسة الحكومة الذي وُصف آنذاك “بالانتحاري” سوى امتداد لفترات لم تكن أقلّ حساسية ترأس فيها الرجل السلطة التنفيذية في البلاد وعبر بها الى برّ الامان. اليوم، ووسط كل التهويلات بحرب وشيكة على لبنان، يتدخّل ميقاتي بخطاب ديبلوماسي يهدف الى حماية لبنان وشعبه… فهل نعبر أيضاً؟!
المصدر: خاص “لبنان 24”