مُخجل ومُحزن ما شهدته طرابلس خلال الأيام الماضية لجهة الهجوم غير المبرر الذي تعرض له مركز العزم الثقافي (بيت الفن) وعبره جمعية العزم والسعادة الاجتماعية التي تمتد أياديها البيضاء على مساحة المدينة والجوار منذ ما يقارب ٣٣ عاما من دون إنقطاع، وذلك على خلفية مهرجان الأفلام المنتشر في عشر مدن لبنانية من بينها الفيحاء.
بدا واضحا من خلال الهجوم الاستباقي الذي تعرضت له الجمعية أن هناك من يضيق ذرعا بحضورها وتأثيرها وتنامي خدماتها فأراد زجّ إسمها وإستهدافها والتشهير بمركز العزم الثقافي (بيت الفن) الذي يفتح ذراعيه لكل الأنشطة الثقافية، في مسألة عرض بعض الافلام ضمن المهرجان بحجة أنها لا تتناسب مع القيم الدينية والأخلاقية للمدينة وأهلها، قبل أن تبادر الجمعية الى قطع ألسنة السوء بإلغاء المهرجان الذي بدأت عروض أفلامه أمس في تسع مدن لبنانية.
لم يكن (بيت الفن) منظما للمهرجان بل كان يستضيفه كما تستضيفه سائر المراكز الثقافية في المدن اللبنانية، وقد تسلم بوستر بأسماء الأفلام التي وافق عليها الأمن العام اللبناني.
وكما هي العادة في كل نشاط من هذا النوع، فإن ثمة لجنة منبثقة من جمعية العزم تقوم بدراسة كل المواد التي سيتم عرضها في أي من المراكز التابعة لها، وذلك حرصا على خصوصية طرابلس وعلى إحترام عادات وتقاليد أهلها، وفور تسليم الأفلام الى المركز، باشرت هذه اللجنة عملها في الدراسة والرقابة منعا لمرور أي مشهد أو كلام أو فكرة يمكن أن تسيء الى القيم والأخلاق.
وبالتزامن، بدأت بعض الغرف السوداء حملة ممنهجة على جمعية العزم تهدف الى النيل منها ومن تاريخها ومن حضورها الديني والاخلاقي فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بأقلام السوء التي أطلقت الاتهامات والادانات بحقها وبحق مركز العزم، مستبقة بذلك تقرير اللجنة المكلفة بدراسة الأفلام، فيما حاول البعض إستغلال هذه القضية لتنفيس الأحقاد وتصفية الحسابات السياسية مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي يحمل كرات النار دفاعا عن لبنان وتجنيبه خطر الانهيار والسقوط الاجتماعي والأمني.
اللافت في الأمر، هو بعض بيانات الافتراء التي صدرت بهذا الصدد من جمعيات وهيئات طرابلسية، وبعض خطب الجمعة التي أثارت الموضوع وركبت موجة التحريض من دون قرائن أو بيّنة، ما أظهر نوعا من التخبط والارتجال في هذه المواقف، خصوصا أن مسؤولي جمعية العزم في طرابلس هم على تماس يومي ومباشر مع كل المعنيين بالشأن العام، وقد كان بوسع هؤلاء التواصل معهم والاستفسار عن آلية التعاطي مع المهرجان وإنتهاء الأمر عند هذا الحد، كما كان بوسع دار الفتوى الاتصال بهم والتأكد من الأمر، علما أن الدار والمفتي محمد إمام على قناعة تامة بأن جمعية العزم أبعد ما تكون عن الشبهات والاتهامات التي حاول البعض إلصاقها بها، فلماذا أصر بعض المشايخ على إثارة هذا الموضوع على المنابر برغم التوضيحات التي صدرت عن الجمعية يوم الخميس الفائت وأكدت فيها رفضها عرض أي فيلم يسيء الى القيم الدينية والأخلاقية؟ وهل ترضى دار الفتوى بإستهداف جمعية العزم بهذا الشكل تنفيذا لأجندات معينة أو لأهداف سياسية وضمن إطار كلام الحق الذي يراد به باطل؟..
حسنا فعلت جمعية العزم بقطع الطريق على المصطادين بالماء العكر وبحماية المدينة من توتر كان يُراد لها وهي بغنى عنه، من خلال إيقاف مهرجان الأفلام، لكن ما حصل يظهر حجم الفراغ الذي تعيشه المدينة ما يتطلب من النواب والقيادات وهيئات المجتمع المدني ان يلعبوا الدور المنوط بهم، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ الذي في حال إستمر لا بد أن يملأه الدخان الأسود..
المصدر: سفير الشمال