وضعت الجلسة العامة لمجلس النواب المخصصة لمناقشة ملف النزوح وهبة المليار يورو التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية حدا للمزايدات والشعبوية التي تعاملت بهما التيارات السياسية مع هذا الملف بهدف إثبات الحضور وإستمالة الشارع وتصفية الحسابات، الأمر الذي كاد أن يضيع البوصلة لولا مبادرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري عقد جلسة لوقف التصعيد غير المبرر والاتهامات الباطلة.
لم يتوان بري عن تعيين موعد للجلسة، ليتعاون مع ميقاتي قبلها وخلالها على وضع ملف النزوح ضمن إطاره الوطني والخروج بتوصيات لم يختلف عليها أحد، وأبرزها ضرورة تواصل الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية لمعالجة الملف والسعي لدى الاتحاد الأوروبي والمفوضية لزيادة المساعدات المالية للبنان، الى جانب مبلغ المليار يورو الذي لم يعد رشوة لبقاء النازحين ولم يعد ثمنا لصك بيع لبنان الى أوروبا لتوطينهم، كما لم تعد الزيارات الموسمية للعمل في أوروبا عبارة عن تهجير للشعب اللبناني ليحل بدلا منه الشعب السوري.
يمكن القول إن توصيات جلسة الأمس نسفت مواقف أكثرية الكتل النيابية التي ذهبت بإتجاه التصعيد في المواقف من دون أن تبادر الى السؤال أو الاستفهام عن حقيقة ما جرى، وعن ماهية المليار يورور والعمل الموسمي في أوروبا، بالرغم من التوضيحات التي حرص على إطلاقها الرئيس نجيب ميقاتي الذي إعترف مجلس النواب بأكثرية كتله ضمنا أو علنا بأن الجهود التي قام بها نجحت في إعادة الاهتمام الأوروبي بملف النازحين وأفرجت عن المساعدات المالية التي سيصار الى تقسيطها على مدار أربع سنوات، من دون قيد أو شرط يتعلق ببقاء النازحين أو غض النظر عن وجودهم.
ولا شك في أن الجلسة النيابية العامة كان يمكن أن تنتهي مع إنتهاء الرئيس ميقاتي من إلقاء كلمته والتي وضع فيها النقاط على الحروف وقطع شك النواب باليقين حول كثير من الأمور، ورد على كل إستفساراتهم بكثير من الحزم والجدية لجهة المسلمات والثوابت الوطنية، وبالتالي لم يكن هناك من داع لحفلات الزجل السياسي التي قدمها بعض النواب الذين تمسكوا بالنكد السياسي على قاعدة عنزة ولو طارت، بالرغم من تصويتهم الايجابي على التوصيات التي تم التوافق عليها في نهاية المطاف، ما جعل الجلسة النيابية حبلى بتناقضات غير مسبوقة.
ومن أبرز تناقضات الجلسة هو قيام بعض النواب بمساءلة ومحاسبة الحكومة، وكأنها حكومة فاعلة كاملة الأوصاف وليست حكومة تصريف أعمال تعمل بقوة دفع رئيسها الذي يسير في حقل ألغام التعطيل والاستهداف ويصر على إستمراره بتحمل المسؤولية، حيث تناسى البعض أنه يتعاطى معها على القطعة، ويصفها بغير الدستورية وغير الشرعية والميثاقية، ومن ثم ينتقدها إذا قامت بواجبها إنطلاقا من توصيفه لها، وينتقدها في الوقت نفسه في حال قصرت في واجباتها.
وقد كان لافتا في هذا الاطار مشاركة التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل في الجلسة النيابية ومحاولة الأخير تحيّن الفرص لخطب ودّ الرئيس ميقاتي، ما يؤكد إعتراف باسيل بشرعية وميثاقية ودستورية الحكومة، وبالتالي فإن إصراره على منع وزرائه من حضور جلساتها لم يعد مقنعا ولا مبررا، خصوصا أن بعض وزراء التيار جلس على المقاعد المخصصة لوزراء الحكومة.
بالتزامن كان هناك حالة من إنعدام الوزن لدى القوات اللبنانية التي تقدمت بتوصية وصوتت على توصية ثانية، وبدا الارتباك على نائبها جورج عدوان الذي إعتمد جملة من الشعارات من دون أن يتقدم بطرح منطقي يمكن أن يساعد في معالجة الأزمة، إلا أن تصويت القوات على توصية تتضمن التعاطي مع الحكومة السورية أكد أنها لم تعد قادرة على المكابرة بعدما إنكشف للقاصي والداني أنها كانت تشكل خط الدفاع الأول عن النازحين وقد إنقلبت على مواقفها بحسب ما تقتضيه مصلحتها السياسية.
ولم يكن نواب التغيير والسياديين أفضل حالا فكان شعارهم “أنا أنتقد وأتحدث فإذاً أنا موجود”، وقد تناول أكثرهم في كلماته الشيء وتقيضه، إضافة الى بعض السجالات النيابية لا سيما حول الجمعيات وتمويلها والتي كسرت جمود الكلمات والمواقف، وقد سُجل للنائب جهاد الصمد دفاعه عن موقع رئيس الحكومة بتوجيه إنتقاد لاذع للنائب ميشال معوض بعدما خاطبه بإسمه وليس بلقب دولة الرئيس.
المصدر: سفير الشمال