عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مؤتمراً صحفياً مُشتركاً مع رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس ورئيسة المفوضية الاوروبية أورسولا فون دير لاين.
وفي كلمة له، أكد ميقاتي على ضرورة معالجة ملف النازحين السوريين الموجودين في لبنان، مشيراً إلى أنّ “بلدنا تحمّل، منذ اندلاع المعارك في سوريا عام 2011 ، العبء الأكبر بين دول المنطقة والعالم في موضوع استضافة النازحين“.
وأردف: “لقد عبرّنا عن تقديرنا لتفهّم بعض دول الاتحاد الاوروبي في اجتماعه الأخير لطلب الحكومة اللبنانية،اعادة النظر في سياسات الاتحاد الاوروبي المتعلقة بادارة ازمة النازحين السوريين في لبنان. وهذا الموقف يترجم بزيارة فخامة الرئيس والسيدة رئيسة المفوضية الأوروبية“.
واعتبر ميقاتي أن “التعاون الجدي والبنّاء لحل هذا الملف يشكل المدخل الحقيقي لاستقرار الأوضاع، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحترام المتبادل والتعاون المثمر والوعي الأوروبي والدولي للحفاظ على الخصوصية اللبنانية التي تشكل قيمة معنوية للشرق والغرب”.
وأكد رئيس الحكومة رفضه أن يتحول لبنان إلى وطنٍ بديل، وقال: “ندعو أصدقاءنا في الاتحاد الأوروبي الى الحفاظ على قيمة لبنان والمضي في حل هذا الملف جذرياً وباسرع وقت، انطلاقاً من المعرفة المتبادلة بيننا وبين الاتحاد الاوروبي ودول العالم بأن مدخل الحل سياسي بامتياز”.
وتابع: “في رأينا، انطلاقا من واقع سوريا حالياً، فإنّ المطلوب كمرحلة أولى الإقرار أوروبيا ودولياً بأن أغلب المناطق السورية بات آمنا ما يسهل عملية إعادة النازحين وفي مرحلة أولى الذين دخلوا لبنان بعد العام 2016 ومعظمهم نزح الى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة ولا تنطبق عليهم صفة النزوح”.
وأكمل: “في هذه المناسبة، نجدد مطالبة الاتحاد الاوروبي، بما كررناه على الدوام، من ان المطلوب دعم النازحين في بلادهم لتشجيعهم على العودة الطوعية ما يضمن لهم عيشا كريما في وطنهم. واذا كنا نشدد على هذه المسالة فمن منطلق تحذيرنا من تحوّل لبنان بلد عبور من سوريا إلى اوروبا، وما الاشكالات التي تحصل على الحدود القبرصية الا عينة مما قد يحصل اذا لم تعالج هذه المسالة بشكل جذري”.
وأضاف: “إن لبنان يقدّر للاتحاد الاوروبي موقفه الجديد بدعم المؤسسات العسكرية والامنية في لبنان لتمكينها من ضبط الحدود البحرية والبرية والقيام بواجباتها في منع الهجرة غير الشرعية من لبنان وإليه، ودعم المجتمعات اللبنانية ذات الحاجة، وفي الوقت ذاته تخصيص جزء من الدعم لتحفيز العودة الطوعية للنازحين السوريين”.
وفي سياق آخر، جدد ميقاتي دعوته الإتحاد الآوروبي والعالم الى الضغط على اسرائيل لوقف عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني، والعمل على ارساء حل نهائي شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وقال: “كررنا أيضاً مطالبتنا المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها المتمادي على جنوب لبنان”.
رئيسة المفوضية الأوروبية
من جهتها، ألقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوديرلاين كلمة خلال المؤتمر الصحافي المُشترك وقالت: “دولة الرئيس نجيب ميقاتي، أشكركم على الترحيب بالرئيس خريستودوليدس وبي هنا اليوم في بيروت. لبنان بلد جميل ومتنوع ونابض بالحياة، مليء بالطاقة والإمكانات. إلا أنّه يواجه تحديات كبيرة محلياً، ونتيجة للتوترات والحرب في المنطقة. إنّنا نتفهم ذلك ونحن هنا أولاً وقبل كل شيء لنقول إنَّ الاتحاد الأوروبي يدعم لبنان وشعبه بقوة. ونريد أن نستكشف سبل تعزيز تعاوننا. وكانت هذه أيضاً الرسالة الواضحة للقادة الأوروبيين في قمتنا الأخيرة. واليوم نحن هنا، بروحية عمل أوروبية موحدة، لنعيد تأكيد هذه الرسالة”.
أضافت: ناقشنا اليوم كيفية تعزيز علاقاتنا السياسية والاقتصادية، ودعم أمن لبنان واستقراره. ولتأكيد دعمنا، أودُّ أن أعلن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان ستكون متاحة اعتباراً من السنة الجارية وحتى عام 2027. ونحن نريد أن نساهم في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان. أولاً، من خلال تعزيز الخدمات الأساسية مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة للشعب اللبناني. ثانياً، سنواكبكم في المضي قدماً بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية. وهذه الإصلاحات أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد في المدى الطويل. ومن شأن ذلك أن يسمح لبيئة الأعمال والقطاع المصرفي باستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتالياً تمكين القطاع الخاص من الاستثمار. إنَّ لبنان في حاجة إلى قوة دفع اقتصادية إيجابية لإتاحة الفرص لشركاته ومواطنيه. ثالثاً، الأمن والاستقرار هما أيضاً أساسيان للاستثمار. وسندعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى. وسيركز هذا البرنامج أساساً على توفير المعدات والتدريب لإدارة الحدود. إلى ذلك، سيكون من المفيد جداً للبنان أن يبرم ترتيبات عمل مع الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، خصوصاً بشأن تبادل المعلومات والوعي بالأوضاع. رابعاً، ولمساعدتكم في إدارة الهجرة، نحن ملتزمون إبقاء المسارات القانونية مفتوحة إلى أوروبا، وإعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، نعوِّل على حُسن تعاونكم لمنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المهاجرين”.
وتابعت: “أخيراً، نتفهم التحديات التي يواجهها لبنان نتيجة استضافة اللاجئين السوريين ونازحين آخرين. ومن الأساسي ضمان رفاه اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة. فمنذ عام 2011، دعم الاتحاد الأوروبي لبنان بمبلغ 2.6 مليار يورو – ليس فقط للاجئين السوريين، وإنما أيضاً للمجتمعات المضيفة، وسنستمر في دعمكم. إلى ذلك، سننظر في كيفية جعل مساعدة الاتحاد الأوروبي أكثر فاعلية. ويشمل ذلك استكشاف كيفية العمل على نهج أكثر تنظيماً للعودة الطوعية إلى سوريا، بالتعاون الوثيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى تعزيز الدعم من الأسرة الدولية لبرامج الإغاثة الإنسانية والتعافي المبكر في سوريا”.
وتابعت: “أودُّ أن أختم بالتركيز على النزاع في غزة وتأثيره على لبنان. إنّنا نؤيد تأييداً تاماً جميع الجهود الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن. وقد زدنا للتو مساعداتنا الإنسانية المكثفة لغزّة. ففي نهاية المطاف، نحن بحاجة إلى عملية سلام تقود نحو حل الدولتين. إنّه الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق السلام والاستقرار الدائمين في الشرق الأوسط. في غضون ذلك، يجب أن نواصل العمل من أجل تخفيف حدة النزاع. فنحن نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع المتقلّب في جنوب لبنان. فما هو على المحك هو أمن كلٍّ من لبنان وإسرائيل، ولا يمكن فصل الاثنين عن بعضهما. لذلك ندعو إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701. ويجب أن يشكل هذا جزءاً من تسوية ديبلوماسية مُتفاوَض عليها. وهنا أيضاً، الجيش اللبناني أساسي، والاتحاد الأوروبي مستعد للعمل على كيفية تعزيز قدراته”.
وختمت بالقول:” اسمحوا لي أن أؤكد لكم أنَّه يمكنكم الاعتماد على دعم الاتحاد الأوروبي المستمر للبنان وشعبه. إنَّ الروابط بين لبنان وأوروبا عميقة وقوية. وهذه الروابط هي التي ستستمر في دفع تعاوننا”.
الرئيس القبرصي
من جهته، تحدّث الرئيس القبرصي شاكراً نيكوس خريستودوليدس شاكراً الرئيس ميقاتي على حفاوة الإستقبال، واصفاً هذا اليوم بـ”التاريخي”، وأضاف: “نحن نقوم اليوم بخطوة مهمة من أجل شعب لبنان كي نعالج بشكل أفضل التحديات المشتركة”.
وأضاف: “نتفهم بشكل عميق المشاكل والتحديات التي يواجهها لبنان والأزمة طويلة الأمد في سوريا قد ضخّمت العواقب السلبية على لبنان وشعبه”.
وتابع: “نتفهم أن لبنان تحمل أزمة النازحين على مدى 12 عاماً وقد انعكس ذلك على اقتصاده بشكل أساسيّ”.
وأكمل: “علينا البحث عن حلول سريعة في ملف النازحين السوريين، كما يجب تعزيز العمل مع شركائنا لبحث مسألة العودة الطوعية للسوريين من لبنان”.
وأعلن الرئيس القبرصي عن عن رزمة دعم شاملة للبنان وهي تشمل مساعدة لبرامج دعم متعددة ولدعم مكافحة التهريب وحماية الحدود والإدارة، مؤكداً أهمية أمن واستقرار لبنان.
محادثات موسعة
وكان ميقاتي استقبل الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية عند الساعة الـ10 صباحاً في السرايا الحكومي، ثم انتقل معهما إلى مكتبه حيث جرى عقد اجتماع دام لنحو نصف ساعة.
وإثر ذلك، انتقل ميقاتي مع زواره إلى إحدى قاعات السرايا، حيث عقدت هناك محادثة موسعة.
وشارك عن الجانب اللبناني ووزراء الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، الدفاع العميد موريس سليم، الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية النائب فادي علامة، قائد الجيش العماد جوزف عون، سفير لبنان لدى الاتحاد الأوروبي فادي الحاج علي، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري، مستشارا الرئيس ميقاتي السفير بطرس عساكر وزياد ميقاتي.
وعن الجانب القبرصي، شارك وزيرا الخارجية كوستاندينوس كومبوس، والداخلية كوستانتينوس ايوانو، سفيرة قبرص في لبنان ماريا حاجي تيودوسيو، الناطق باسم الحكومة قسطنطينوس ليتمبيوتيس، ومدير المخابرات تازوس تزيونيس.
وعن الجانب الاوروبي، شاركت رئيسة بعثة الإتحاد الأوروبي في لبنان ساندرا دي وال، والمستشار الديبلوماسي فرناندو اندرسن غويماريس.
صور من المؤتمر الصحفي الذي جمع ميقاتي والرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية:
صورٌ من المحادثات الموسعة:
صورٌ للحظة استقبال ميقاتي الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية: