يبذل نواب وكوادر وإعلام القوات اللبنانية جهودا مضنية من أجل تبرير فشل لقاء معراب، وهم سارعوا الى رمي المسؤوليات على الذين قاطعوه أو آثروا عدم المشاركة فيه أو إرسال ممثلين عنهم من الصف الثاني والثالث، وإتهامهم بأنهم “خانوا الأمانة السيادية التي حملوها”، وبأنهم “أصحاب شعارات فارغة ممنوعة من الصرف”.
وقد توّج مسؤول الاعلام والتواصل في القوات شارل جبور التبريرات بمعادلة غريبة طرحها خلال مقابلة مع الزميلة حليمة طبيعة ضمن برنامج “هنا بيروت” على قناة “الجديد” أمس، مفادها أنه “إذا كتبت وسائل الاعلام عن فشل لقاء معراب فهذا يعني أنه كان ناجحا”.
لقاء معراب أكد أن ثمة خلل واضح في بنية وتركيبة المعارضة التي قد تتلاقى بالمواقف التصعيدية، لكنها تفترق عند الاستحقاقات، وذلك بفعل طموحات وأجندات وسعي كل طرف فيها الى أن يكون في الصدارة وأن لا يسير في ركب أو تحت مظلة أي من مكوناتها.
ولعل ما شهده لقاء معراب من مقاطعة أكثرية المكونات السياسية والطائفية، وجه رسالة واضحة وصريحة وربما أخيرة الى رئيس القوات سمير جعجع بضرورة أن يضع حدا لطموحاته بأن يكون زعيما للمعارضة اللبنانية، خصوصا بعدما ترأس لقاءً لتكتله النيابي بحضور ست نواب وشخصيات بعضها من أهل معراب، وبعضها الآخر من الساعين الى دور أو حضور في المرحلة المقبلة، إذا سمحت الظروف.
كل من شارك في لقاء معراب كان لديه غاية في نفسه، بدءا من سمير جعجع الذي أراد تظهير صورته للمجتمع الدولي كزعيم للمعارضة وأنه المرشح الأقوى مسيحيا لرئاسة الجمهورية في حال تبدلت المناخات الاقليمية والدولية لمصلحة المحور الذي يمثله، مرورا بالنواب السنة الثلاثة الطامحين لبلوغ رئاسة الحكومة كمرشحين سياديين أو تغييريين، وقد بدا على أحدهم الامتعاض لعدم إعطائه دورا في اللقاء يعزز من خلاله حضوره السياسي، وصولا الى بعض الشخصيات التي طواها الزمن وتفتش عمن يعيد إحيائها.
اللافت، أن البيان الصادر عن لقاء معراب خوّن الشركاء في الوطن، وخوّف اللبنانيين، وتغاضى عن جرائم العدو الاسرائيلي، وطالب المقاومة بالتراجع عن الحدود، وكأنه يُعقد على كوكب آخر وليس على وقع الاعتداءات الصهيونية التي تطال أراضٍ لبنانية وتقتل مواطنين لبنانيين، وحتى مضمون هذا البيان لم تنجح القوات في إعطاء تبريرات له.
أسباب كثيرة كانت وراء فشل لقاء معراب، أبرزها:
أولا: التنافس الماروني – الماروني الذي لا يسمح لأ مكوّن أن يتقدم على الآخر لا في لقاء ولا في موقف ولا في تحرك.
ثانيا: الفوقية التي تعاطى بها جعجع مع حلفائه لجهة عدم مشاورتهم أو الاستماع الى آرائهم في آلية تنظيم اللقاء، ما دفعهم الى المقاطعة ودفع بعضهم الآخر الى إصدار بيان رفضوا فيه أن يمنحوا جعجع فرصة الظهور زعيما للمعارضة، ولعل الابرز، هو ما جرى تسريبه لصديق معراب النائب السابق فارس سعيد الذي حمّل المسؤولية الى “سردية سياسية كاملة أدت الى هذا الفشل ومنعت أكبر حزب مسيحي من عبور المتحف في الدعوات التي وجهها”.
ثالثا: مقاطعة أركان ١٤ آذار من السنة والدروز والشيعة الذين لديهم كمّا هائلا من المآخذ على جعجع وعلى اللقاء.
رابعا: اللغة الطائفية التي تسيطر على القوات اللبنانية منذ فترة وإستحضارها مصطلحات الحرب الأهلية في جريمة قتل باسكال سليمان وتشكيكها بالجيش اللبناني، والدعوات المتكررة الى التقسيم والفيدرالية والتهديد بالطلاق، والتنمر على الشركاء بالوطن، تارة بأنهم لا يشبهوننا، وتارة أخرى بأننا لن نعد نستطيع العيش معهم.
خامسا: تبني القوات اللبنانية لفكرة أن إنهيار لبنان أقل كلفة من إعادة ترميمه، الأمر الذي يدفع بعض القوى الى إعادة النظر في التعاطي معها وفي مجاراة مواقفها.
سادسا: غياب تكتل الاعتدال الوطني وعدد من الشخصيات السنية المقربة من السعودية ما أوحى بأن المملكة غير راضية عن هذا اللقاء وعن سلوك جعجع.
سابعا: غياب النواب المستقلين والتغييريين الذين لن ينسى بعضهم الاساءات التي وجهها جعجع اليهم عندما رفضوا السير تحت مظلته.
ولعل الفشل الأكبر الذي منيت به القوات اللبنانية في لقاء معراب، هو عدم قدرتها على إظهار صورة وطنية جامعة، وإصدار بيان وطني جامع يدعو الى تطبيق القرار ١٧٠١ بالتزامن مع الضغط الدولي على لبنان وتسليم المسؤولين فيه الورقة الفرنسية التي تتضمن آليات تنفيذه، ما أضاع على القوات فرصة سانحة لتقديم خدماتها لرعاة هذا القرار على حساب المصلحة الوطنية والسيادة اللبنانية.