خلفت الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ ما يقرب من سبعة أشهر خسائر فادحة على المستوى البشري والمنشآت المدنية ومن بينها الصحية، حتى أن انتشال الجثث من العدد الهائل من المباني المنهارة أصبح مهمة ضخمة وصعبة للغاية وليست أولوية.
وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن أكثر من 34 ألف شخص قتلوا حتى الآن، أي ما يقرب من 1.5% من إجمالي عدد السكان قبل الحرب، معظمهم من المدنيين.
وأصبحت أرقام الضحايا الفلسطينيين التي تم التعامل معها بدرجات متفاوتة من الشك في وقت مبكر من الحرب، مقبولة حاليا على نطاق واسع من طرف خبراء الأمم المتحدة والمسؤولين الأميركيين وبعض المسؤولين العسكريين الإسرائيليين.
لكن السلطات الفلسطينية تقول إن الأرقام في الأشهر الأخيرة أصبحت أقل دقة نظرا لصعوبة جمع البيانات.
يوضح المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، مدحت عباس أن القطاع كان يمتلك في بداية الحرب مستشفيات وفرق دفاع مدني تنتشل الأشخاص العالقين تحت الأنقاض وأنظمة لإحصاء الضحايا، مضيفا أن “كل ذلك انهار”، بحسب ما تنقل عنه صحيفة “نيويورك تايمز”.
يشير عباس أنه لتقدير عدد القتلى، تعتمد الوزارة الآن بشكل كبير على مصادر أخرى للمعلومات مثل شهادات أقارب القتلى ومقاطع فيديو لآثار الغارات وتقارير المؤسسات الإعلامية.
ويبدو أن ظهور الصورة الحقيقية للخسائر البشرية في الحرب ستأخذ وقتا طويلا، حيث تشير التقديرات إلى أن آلاف الأشخاص ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض وفي قبور لا تحمل علامات مميزة، وفقا للسلطات الصحية المحلية والشهود والأمم المتحدة.
ومن شأن العملية العسكرية التي تلوح بها إسرائيل في مدينة رفح الجنوبية، حيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني، أن تؤدي إلى ارتفاع كبير في عدد القتلى.
وقال ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الضفة الغربية وغزة، عن إحصاء السلطات الصحية للقتلى في القطاع: “لن أتفاجأ إذا كان هذا في النهاية أقل من الواقع”.
ورفضت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التقديرات الفلسطينية، حيث قال مسؤولون إن وزارة الصحة في غزة تخضع للنفوذ السياسي لحماس، وبالتالي فهي ليست مصدرا موثوقا للبيانات.
ومع ذلك، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن التقديرات الفلسطينية لإجمالي القتلى قد تكون صحيحة تقريبا. ويقول مسؤولون عسكريون إن حملتهم في غزة أسفرت عن مقتل ما بين 11 ألفاً و13 ألفاً من حماس ومسلحين آخرين.
ويقدرون أيضا أن ما يقرب من اثنين من المدنيين قتلوا مقابل كل مسلح.
وقال مسؤولو حماس إن ما بين ستة إلى ثمانية آلاف من مقاتليهم قتلوا. ويعتقد مسؤولو المخابرات الأميركية والمصرية أن العدد الحقيقي للقتلى يقع بين ادعاءات إسرائيل وحماس.
وقُتل حوالي 1200 إسرائيلي وتم اختطاف أكثر من 240 آخرين في هجمات حماس في جنوب إسرائيل يوم السابع من تشرين الاول، وفقا لمسؤولين إسرائيليين. ولا يزال عشرات الرهائن محتجزين في غزة.
يدور القتال العنيف بين جيش حديث وقوة حرب العصابات. وقد أدى حجم الدمار إلى فرض ضغوط دولية على إسرائيل، وأثار ضجة كبيرة بين الشباب الأميركيين مما أدى إلى تعكير صفو الجامعات وتعقيد آمال الرئيس بايدن في الفوز بإعادة انتخابه.
في الأسابيع الأولى من الحرب، اعتمدت السلطات الصحية الفلسطينية عدد القتلى إلى حد كبير على البيانات التي جمعتها المستشفيات وشاركتها إلكترونيا. ومنذ ذلك الحين، أدى حجم الدمار والنزوح إلى جعل الأمر أكثر صعوبة.
فمن أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، تعمل منها 11 فقط وبشكل جزئي، إلى جانب ستة مستشفيات ميدانية.
كما أن عدد سيارات الإسعاف التي تعمل أصبحت قليلة للغاية، مما يجعل احتمالية نقل القتلى والمصابين إلى المستشفيات أقل.
وفي أوائل نيسان، قدمت الوزارة نموذجًا عبر الإنترنت يسمح للسكان بالإبلاغ رسميا عن وفاة أقاربهم.
ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن جميع الوفيات.
فعلى سبيل المثال، فقد مصطفى حمدان، 38 عاما، خمسة من أفراد عائلته في الحرب، ولم يتم تسجيل أي منهم رسميا على أنه ميت.
ولا يوجد ما يكفي من الآلات الثقيلة لإزالة الأنقاض، فضلا عن نقص كبير في الوقود لتشغيل الآلات المتوفرة أصلا، بحسب “نيويورك تايمز”.
وغالبا ما يضطر عمال الإنقاذ إلى استخدام أيديهم أو الأدوات الأساسية مثل الفؤوس والمجارف لإخراج الناس.
وقال حمدان إنه عندما لا تكون هناك فرصة لإنقاذ شخص ما على قيد الحياة، عادة ما يتركون الجثث خلفهم.
وقام حمدان وزملاؤه بسحب عشرات الجثث التي لم يتمكنوا من التعرف عليها من تحت الأنقاض.
ومن بين حصيلة القتلى الرسمية لوزارة الصحة في غزة، لم يتم التعرف على حوالي عشرة آلاف جثة.
وتضررت أو دمرت حوالي 57 في المئة من المباني في غزة منذ بداية الحرب، وفقا لتحليل بيانات الأقمار الصناعية التي أجراها خبراء الاستشعار عن بعد في جامعة مدينة نيويورك وجامعة ولاية أوريغون.
وتقول الأمم المتحدة إن الأمر سيستغرق سنوات عديدة ومئات الملايين من الدولارات لنقل الأنقاض التي تراكمت حتى الآن.
وفي وقت سابق من الحرب، قالت السلطات الصحية الفلسطينية إن النساء والأطفال يشكلون أكثر من ثلثي القتلى، وهو ما شكك فيه كثيرون، مما أثار تساؤلات حول الدقة الأوسع لعدد القتلى الرسمي.
ويعمل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على التحقق من عدد القتلى وتوثيقه. ويتطلب الأمر مصدرين للمعلومات لتأكيد كل حالة وفاة، وعادةً ما تكون شهادة من مستشفى أو مشرحة وشهادة من أفراد الأسرة.
ويقول أجيث سونغاي، الذي يرأس مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إن هذه العملية ستستغرق وقتا طويلا حتى تكتمل، خاصة وأن الحرب مستمرة وما زال معظم السكان مشردين.
وقال سونغاي إنه في الصراعات السابقة في القطاع الذي تديره حماس، في الأعوام 2008-2009 و2014، “لم تكن الأرقام قريبة مما نراه حاليا”، مضيفا أنه “بسبب طبيعة هذه الحرب، لا ينبغي أن تفاجئنا الأرقام للأسف”.
المصدر: الحرة