بالرغم من كل التسريبات التي أوحت بأن قرار فصل احد، أو بعض نواب تكتل “لبنان القوي” من “التيار الوطني الحرّ بات أمراً محسوماً، إلا أن الحذر الذي يتعامل به رئيس “التيار” جبران باسيل مع الملف ملفت للغاية، خصوصاً أنه يوحي عادة باللامبالاة تجاه اي قيادي ينسحب من “التيار” لأن الحالة العونية ستنبذه بشكل حاسم ولن يتمكن من القيام بأي خرق شعبي او نيابي بعيداً عن الكتلة الحزبية برئاسته وادارته وتحالفاته وقدرته على تمويل وتنظيم اي نشاط سياسي.
في الإنتخابات الاخيرة حصل باسيل على كتلة نيابية وازنة، لكن جزءا كبيرا من هذه الكتلة كان مرتبطا بالتحالفات، اذ حصل باسيل على نواب في كل من عكار والشوف وعاليه والبقاع الغربي وبعلبك الهرمل وزحلة وبيروت الثانية نتيجة تحالفاته مع “قوى الثامن من اذار”، وهذا يعني أن عددا لا بأس به من النواب وصل الى البرلمان بأصوات غير مسيحية، في الوقت الذي تمكن فيه من ايصال نواب في المتن وجبيل وكسروان وبعبدا وغيرها بأصوات عونية صافية.
المعضلة الحقيقية التي يعاني منها رئيس “التيار” أن النواب المعارضين له داخل “التيار” وتكتل “لبنان القوي” هم من الأقضية ذات الغالبية المسيحية، مثل المتن وجبيل وبعبدا، وهؤلاء عملياً وصلوا بأصوات مسيحية ومن المفترض الحفاظ عليهم لأن سائر النواب الذي وصلوا من أقضية أخرى مثل البقاع الغربي وبيروت الثانية، كان وصولهم مرتبطا بقرار “الثنائي الشيعي”، وعليه فإن أزمة باسيل تكمن في خسارة النواب اصحاب الحيثيات في الاقضية والدوائر المسيحية.
من الواضح أن النواب المعارضين باتوا يتعاملون مع باسيل ككتلة واحدة، أي أنهم موحدون بشكل جيد ويستطيعون مواجهة أي قرار بإطاحتهم، لكن الاهم هو القيام بخطوات لاحقة مرتبطة بالترشح للانتخابات النيابية في مواجهة لائحة “التيار”، ما يعني أنه حتى لو لم يستطع النواب المعارضون الفوز على حساب نواب “التيار” فإنهم سيؤثرون حتماً على الكتلة الناخبة العونية وعلى عدد الحواصل التي ستفوز بها اللائحة العونية مع ما يعنيه ذلك من تدهور حقيقي في عدد النواب الاجمالي.
في مقابل كل هذه الحسابات، لا يستطيع باسيل إبقاء النواب المعارضين من دون فصل او قرار تأديبي لان ذلك سيؤدي الى تفلت التكتل وعدم خضوعه الكامل لسيطرته، خصوصاً أن هناك تباينات جدية في التعامل مع القضايا الاساسية والاستحقاقات المتتالية، وعليه فإن التساهل سيؤدي الى تشتت التكتل وعدم إلتزام عدد كبير من نوابه بقرارات رئيسه، ولعل قيام النائب الياس ابو صعب بالتمايز في احدى جلسات انتخاب الرئيس هو السبب الاساسي لفصله من “التيار”.
في الساعات الاخيرة حصل تواصل بين بعض النواب المعارضين وبين عونيين سابقين في اطار التنسيق المشترك للتخطيط لمرحلة ما بعد الخطوة الباسيلية المقبلة والتي من المتوقع ان تكون فصل احد النواب البارزين في” التكتل”، خصوصا ان باسيل ، كما تقول اوساط مقربة منه، يحظى بدعم كامل من الرئيس السابق ميشال عون للقيان بخطوة الفصل. وعليه فإن مواجهة باسيل تحتاج ايضا الى مستوى تنسيق وتحشيد كبير بين معارضيه تمهيدا للانتخابات النيابية المقبلة.
المصدر: خاص لبنان24