نظم “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي” ندوة حوارية تفاعلية هي الأولى في سلسلة فعالياته، في مركز “الصفدي الثقافي”، بعنوان: “اللقاء للحوار الديني والاجتماعي/ أهدافه وتوجهاته وآليات عمله”، شارك فيها مطران طرابلس وتوابعها للموارنة المتروبوليت يوسف سويف والمفتي الشيخ الدكتور مالك الشعار، في حضور رئيس الهيئة الإدارية لـ”اللقاء” الوزير السابق محمد الصفدي، نائب الرئيس النائب إيلي خوري وعضو مجلس الأمناء الدكتور سابا زريق، مديرة كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث الدكتورة جانين الشعار، مديرة حرم جامعة القديس يوسف في الشمال فاديا علم الجميل، المرشد العام للجامعة اليسوعية الأب جاد شبلي، مرشد حرم الشمال الأب إيلي صليبا، مسؤول الأنشطة في جامعة الجنان – طرابلس وعدد من طلبة هذه الجامعات، مدير الثانوية الوطنية الأرثوذكسية في الميناء قدس الأب إبراهيم دربلي ومجموعة من طلبة الصفوف المنتهية.
حلوة
أستهلت الندوة بالنشيد الوطني وكلمة تمهيدية لأمين سر “اللقاء” الدكتور مصطفى الحلوة، رحب فيها بالحضوراشار إلى أن “هذه الندوة هي الأولى، بعد إطلاق “اللقاء” والإعلان عنه في 17 شباط الماضي وستتبعها سلسلة من الندوات، تشمل مختلف الجامعات والمدارس في طرابلس والشمال، إلى شرائح شبابية أخرى، وانتقالا إلى سائر المناطق اللبنانية”.
وتوقف عند النظام الأساسي لـ”اللقاء”، “الذي ينص في بعض بنوده على تعزيز ثقافة الحوار وأدبياته لدى الأجيال الطالعة ونشر الوعي بين صفوفها لزيادة مناعتها الذاتية ضد مختلف أشكال التطرف والانحرافات التي تفتك بالمجتمع وتفعيل دور منظومات القيم التي جاءت بها الأديان، لا سيما المسيحية والإسلام”.
الشعار
وفي مداخلته “لقاء الأمل المبارك” توقف المفتي الشعار عند “معاناة لبنان الغارق في أزماته على مختلف الصعد”، وشدد على أن “بناء المجتمعات لا يكون إلا بالعلم والعمل ونشر الوعي”، منتقدا “المتاجرة بالدين والسياسة الضيقة”.
ومن منطلق مسؤوليته الدينية مع المطران سويف، رأى الشعار ان “المطلوب تعبيد طريق الوعي لدى الشرائح الشبابية والطالبية، بما يخص المسألة الدينية الحقة، مع التنويه أن الأديان جميعها تتكامل ولا تتصادم وتتقاتل”، وقال: “قيمنا الدينية تحضنا على التعارف والتلاقي، وصولا إلى تكريس التعايش في ما بيننا”، متمثلا بالآية القرآنية الكريمة: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .. “. كما تمثل بقول النبي محمد: “أنا أولى بعيسى بن مريم منكم”، وذلك، أن الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد”، ورأى أن “الأديان كرسالات سماوية تكمل بعضها بعضا ومجموعها يساوي دينا واحدا عند الله”، وقال: “تأسيسا على هذا الفهم للرسالات السماوية، فإن قيمها مشتركة، بل متجانسة ولربما أكثر، فهي متطابقة”.
وعن المتاجرة بالأديان، وصف “الضالعين فيها بأنهم طائفيون متعصبون لا يحملون شيئا من قيم الإسلام وقيم المسيحية، ولو عرفوها وتمثلوها لتحقق التعاون بين مكونات المجتمع. فهذه القيم مجتمعة هي المدخل الذي لا بديل منه لتحقيق العيش المشترك، بل الواحد في مجتمعنا اللبناني”، مطالبا الشرائح الشبابية بـ”الوقوف في وجه هؤلاء المتعصبين الذين يلجأون إلى إثارة الغرائز والعبث بأمن الوطن”.
وختم معتبرا ان “هذا اللقاء هو لقاء الأمل المبارك”.
سويف
وتمحورت مداخلة المطران سويف حول تسمية اللقاء بكلماته الأربع، “نعمة وحاجة وغنى ومصدر فرح”، وقال: “هو نعمة لأنه يحررنا من “الأنا” ويدفعنا إلى الشعور بالآخر ويحرر الإنسان من خوف الآخر وهو الطريق إلى الله. هو حاجة إنسانية ليتفاعل الناس مع بعضهم بعضا وهو حاجة روحية كيانية. هو غنى من منطلق التنوع، تنوع في الوحدة، وفي هذا الغنى نكتشف المشترك بجميع تجلياته، لاسيما الروحي، ومثالنا ذلك الاختبار الروحي، حيث تداخل شهر رمضان المبارك بين صوم المسيحيين الغربيين والمسيحيين الشرقيين. هو مصدر فرح العطاء وبذل النفس في سبيل الأحباء الآخرين. وأما عن الحوار، فهو خيار ونهج واعتراف بالآخر المختلف وحوار من المائدة إلى الحياة. هو خيار لبلد أكثر من وطن إنه رسالة. والإنسان عدو ما يجهل والحوار هو السبيل لتبديد الجهل ولن يكون إلا باقتناع. هو نهج حياة والسعي كي يكون مستداما، فيغدو بمنزلة ثقافة مترسخة. وثمة مخاطر تتهدد الحوار من خلال إيديولوجيات لا تصب في مصالح البشرية كما أثبتت التجارب عبر التاريخ. هو اعتراف بالآخر المختلف في مواجهة “Xénophobie” (أي رهاب الغرباء)، و”Islamophobie” (كراهية الإسلام)، “Cristianophobie” (كراهية المسيحية). وهذه هي أكبر المخاطر التي تواجه عالمنا اليوم. علما أن قبول الآخر المختلف يزيد مجتمعنا مناعة. هو حوار من المائدة إلى الحياة، من حيث يتحلق المتحاورون حول طاولة وينزلون إلى الشارع، إلى الحياة اليومية، فلا يبقى الحوار أسير النخب”.
اضاف: “أجمل ما في الحياة هو الإيمان نعمة من الله، الإيمان بإله واحد خالق السماوات والأرض وهو سيد الزمن. وعبر الحوار الديني، نكتشف فرح الإيمان، حيث يكون لتنقية الذاكرة كبير أثر إيجابي على أمن المجتمع. وعن لبنان، في هذا المجال، لم تحصل المراجعة الذاتية إلا بشكل جزئي إثر ما فعلنا ببعضنا بعضا لكي نبرأ من جراح الحرب. الحوار الديني يعرفنا إلى “الله محبة”، وما تتضمن هذه الأطروحة من تكريس للأخوة الإنسانية وبناء السلام. هو حوار اجتماعي، يحفظ كرامة الإنسان واحترام الكفاءة وتكريس المساواة في المواطنة، وما يتفرع عن المواطنة من حقوق وواجبات: الحق في العيش الكريم والحق في إدارة الحكم (الشأن العام) وواجب بناء الدولة واستعادتها. هو حوار اجتماعي لأجل الحرية المسؤولة مع التنويه بأن احترام حرية الدين والمعتقد هو أجمل ما في لبنان”.
وختم مشددا على “وحدة العائلة اللبنانية، فهي صمام أمان مجتمعنا اللبناني”.
وأعقب هاتين المداخلتين حوار تفاعلي بناء، إتسم بالصراحة ومنتهى الشفافية، شارك فيه عدد كبير من الطلبة، كما كانت تعقيبات وردود.
وفي جملة المقترحات التي تم التقدم بها من قبل الطلبة، اقترحت إحدى الطالبات إيجاد صفحة على “الواتسآب”، تضم جميع الطلبة الحاضرين مع أعضاء “اللقاء”، يتم عبرها استكمال النقاش حول المسائل التي طرحت في هذه الندوة الحوارية وفي الندوات التي ستلي.