عقدت “الرابطة العربية للبحث العلمي في علوم الإعلام والاتصال”، الملتقى الدولي العاشر حول “الرهانات الاقتصادية للاعلام والاتصال في الأزمات الراهنة”، عبر منصة “زوم”، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور بسام بدران وحضور نخبة من الباحثين والأكاديميين والخبراء من مختلف الدول العربية، تخلله الاحتفال بالعيد العاشر للرابطة.
الافتتاح
استهل الملتقى بجلسة افتتاحية، تحدث فيها نائب رئيس الرابطة الدكتور هيثم قطب، رئيسة الرابطة الدكتورة مي العبدالله، منسقة الرابطة في مصر الدكتورة هبة الله السمري التي كرمتها الرابطة كمنسقة العام 2024، الباحث المكرم لهذا العام على عطاءاته البحثية الدكتور عبدالله الرفاعي، كما كرمت الرابطة أعضاء الهيئة الإدارية على جهودهم العلمية والتنظيمية. ثم عرض فيلم قصير يوثق نشاطات الرابطة خلال عقد من الزمن، وقدمت الاحتفال الدكتورة منى طوق.
جلسات
بعد الافتتاح، بدأت جلسات الملتقى التي تميزت بحسب بيان للرابطة، “بغزارة الأفكار والبحوث المستجدة في المجال الإعلامي على مختلف الصعد. واتسمت بالأهمية لعمق البحوث التي قدمت من الباحثين من مختلف الدول العربية. وركزت على ضرورة أن تستثمر الوكالات الإخبارية في برامج تدريبية دورية للصحفيين والموظفين لتعزيز مهاراتهم في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بفعالية. يشمل ذلك تدريبا متخصصا في أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة وتحسين فهمهم للمفاهيم التقنية الأساسية. كما طالبت الحكومات والمنظمات الإعلامية بالعمل على تطوير أطر قانونية وتنظيمية تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، خاصة في مجالات حماية البيانات والخصوصية، مما يساهم في تقليل المخاوف القانونية والتنظيمية”.
وشدد المشاركون في الجلسة الأولى على “المنظور الاقتصادي لصناعات الإعلام والاتصال” التي أدارتها رئيسة الرابطة الدكتورة مي العبدالله، والثانية على “تحولات العمل الإعلامي الاتصالي في زمن اقتصاد المعرفة” التي أدارها الدكتور هاشم الحسن على التحديات التي تواجه وسائل الإعلام التقليدية في ظل التطور التكنولوجي السريع في ظل الثورة الصناعية الخامسة وما نتج عنها من انتشار واسع لوسائل الإعلام الرقمي.
وركز المتحدثون على أن “المهمة الرئيسية للمؤسسة الاعلامية هي الحرص على تقديم رسالة إعلامية تحمل الحقائق وبعيدة عن الأخبار والمعلومات المضللة والتي تشهد إرتفاعا في ظل الأزمات والحروب، خصوصا تلك التي تحملها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر للجمهور وبالتالي العمل على مكافحتها وتصويبها”.
وأظهرت نتائج بعض الأبحاث أن “تجسيد الرسالة الاعلامية يتطلب من المؤسسات الاعلامية امتلاكها لميزانية ضخمة مستقلة عن أي جهة ما تفاديا للضغوط المختلفة، لكن هذه الاستقلالية المالية قلما تحدث، باعتبار أن الرسالة الاعلامية المقدمة تتطلب مواردا مالية ضخمة لاستمرارها وتطوير خدماتها ومنتجاتها الاعلامية وكذلك مواكبتها للتطور التقني خلال صناعة المحتوى الإعلامي خلال عملية بثه أو نشره. اما وسائل الإعلام التي لم تقم بالخطوات المطلوبة منها لمواكبة التطور التقني في جميع أقسامها، أو قامت ببعض الخطوات، فهي تعد “متخلفة تكنولوجيا” وحكمت على نفسها بالجمود والإعدام، وبذلك يفوتها القطار وتتعرض للخروج من السوق الإعلامي بعد سنوات قليلة”.
وتوصلت نتائج الأبحاث الى أن “النشاطات الاعلامية التي تعتمد على حجم انفاقات ضخمة، كتغطية الحروب، الاحداث السياسية الهامة، تتطلب قرارات استثمارية شجاعة واستراتيجية لدى المؤسسة الاعلامية سواء من حيث الاهتمام الكبير او الانفاق المالي المخصص لها ، ما يسهم في بقائها ضمن دائرة المنافسة وتوسيع القاعدة الجماهيرية لديها”.
وبين عدد من الابحاث أن “للتمويل دور فاعل في استمرار المؤسسة الاعلامية، فهي من حيث المبدأ تعتمد على الإعلانات في توفير هذا التمويل، لافتا إلى ان إشكالية العلاقة بين سطوة الاعلان وحرية الاعلام ستطرح نفسها بقوة أكبر خاصة مع التعاظم المتزايد للمجموعات الاحتكارية. كذلك بعدما وصل الامر ببعض المؤسسات الاعلامية ” العولمية ” الى الاستحواذ على السلطة السياسية نفسها في بعض الدول، وهو ما يطرح اشكالية مدى مصداقية وموضوعية الأداء الاعلامي في ظل التحديات الإقتصادية”.
ولفتت إحدى الأبحاث الى أن “المواطن في عصر الاعلام الرقمي لم يعد متلقيا فحسب وان القاعدة الثلاثية التقليدية للإعلام: مرسل، رسالة، ومتلقي شهدت تغييرا كبيرا بعد ظهور ما يعرف ب” صحافة المواطن “التي تعتمد على وسائل الاعلام الرقمي والهاتف الرقمي وتحول المواطن إلى مرسل وبالتالي الى شريك لوسائل الاعلام في هذا الدور، لكن ما يميز وسائل الاعلام في هذا التحول هو مسؤوليتها في التأكد من صحة الخبر او المعلومة وتصويبه ، وفق آليات محددة كفيلة بتجنب المواطن الوقوع في فخ الاخبار المضللة، وتقديم الاخبار الحقيقية له”.
وتناولت الجلسة الثالثة “الرهانات الثقافية والقانونية لاقتصاديات الاتصال”، وتمحورت حول نقاط عدة، منها، التسويق الاعلامي ودوره في دعم الاقتصاد الوطني، دور الاتصال في ترسيخ سلوكيات التنمية المستدامة، التحديات القانونية للاعلام الرقمي في إدارة الأزمات الاقتصادية، دور الاعلام الرقمي في التنمية السياحية والدور الانمائي للجيش واتصاله بالمجتمع في لبنان.
وناقشت الجلسة الرابعة المعنونة “الرهانات الاجتماعية والتربوية لصناعة المحتوى الرقمي” مواضيع متنوعة، منها، التجارة الممنوعة في الشبكة المظلمة، تأثير اقتصاديات الاتصال على السلوك الاقتصادي النفسي والتربوي للشباب اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي، اقتصاديات الاعلانات الرقمية وتأثيرها على المحتوى الاعلامي، المعوقات الاقتصادية لتبني التربية الاعلامية والرقمية في لبنان، التربية الاعلامية والرقمية واثرها في بناء الوعي الاتصالي لدى الأهل.
وعالجت الجلسة الخامسة المعنونة “الرهانات الاقتصادية والتنموية لصناعة المحتوى الرقمي” أهمية الاعلام الاقتصادي في التنمية الاقتصادية، تأثير تطبيقات التواصل الاجتماعي على اقتصاديات وسائل الاعلام التقليدية، صناعة المحتوى الاعلامي الرقمي وأثرها في اقتصاديات المعرفة في العالم العربي واقتصاديات الاتصال في زمن الأزمات .
وكانت الجلسة السابعة والأخيرة “الرهانات الاقتصادية للاتصال في الأزمات الراهنة” التي تضمنت دور الاعلام في تعزيز الاقتصاد المعرفي في ظل الأزمات الراهنة، تداعيات الأزمات الاقتصادية على جودة المحتوى الاعلامي، دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز اقتصاديات الاعلام في ظل الأزمات الاقتصادية ودور الوسائل الاعلامية في مواجهة الأزمات الإقتصادية ودور اقتصاد المعرفة في صناعات الاعلام والاتصال.
توصيات الملتقى
وانتهى الملتقى بصياغة مجموعة من التوصيات التي تفيد المجتمع العربي لناحية تقديم المعلومات البحثية على الصعيد الإعلامي، منها: “ضرورة دخول المؤسسات الإعلامية اللبنانية في اقتصاد المعرفة والاستفادة من محتواها الرقمي. السعي لإنشاء تكتلات رقمية وتعزيز شبكات اتصال. إيلاء المزيد من الاهتمام بالتعليم والتدريب في العالم العربي، لخلق مجتمع متعلم قادر على إنتاج المعرفة. وضع خطط استراتيجية لصناعة المحتوى الإعلامي الرقمي وربطها بأهداف وخطط التنمية الشاملة في الدول العربية، مما يعزز الاستفادة منها بشكل أكبر في دعم اقتصادالمعرفة. حرص المؤسسات الإعلامية على وضع التشريعات القانونية للمحافظة على الملكية الفكرية خلال مواكبة لتطورات التكنولوجية الحديثة التي من شأنها نمو اقتصاديات المعرفة. العمل على تعزيز البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بغية تسهيل التواصل ونشر المعلومات في العالم العربي ومعالجتها. ضرورة الربط الشبكي بين مراكز البحوث، والجامعات والجهات الاستشارية ومراكز اتخاذ القرار، مؤسسات المجتمع المدني والشركات التجارية. الاستثمار في رأس المال البشري، حيث يذخر العالم العربي بالكفاءات العلمية والمعرفية والخبرات النادرة. إصلاح الأطر القانونية والتشريعية والاقتصادية، بما يتيح تدفق المعرفة بحرية، إنتاج محتوى إعلامي يلبي حاجات المجتمعات العربية، مما يحفز تعزيز الاستثمار في مجالات الاقتصاد المعرفي. تشجيع الشباب العربي والمؤثرين في وسائل الإعلام الرقمي، لإنتاج محتوى هادف يرفع من وعي المجتمعات وتطورها. تعزيز حرية الوصول إلى خدمات الانترنت لتعزيز الوصول إلى المعرفة. حماية أمن المعلومات مسألة في غاية الأهمية لتحقيق النمو نحو اقتصاد المعرفة. النهوض باقتصاديات الإعلام العربي يتطلب ضرورة الفصل بين الإدارة الصحفية (إدارة التحرير)، والإدارة الاقتصادية للمؤسسة الصحفية وأن توكل هذه الإدارة إلى متخصص من ذوي التجربة والخبرة لتعظيم موارد المؤسسة واعتماد الأعمال الريادية. وضع خطة كاملة متكاملة من قبل مؤسسات الدولة لتطبيق القوانين والأنظمة لمنع وحذف ورقابة وضبط كل مواقع التواصل الاجتماعي من أجل توعية وتثقيف الشباب والشابات، دعم الصحة النفسية وتطوير القيم والأخلاق. إدخال التربية الرقمية في المناهج التربوية. ضرورة تطوير المؤسسات الإعلامية استراتيجيات اقتصادية شفافة ومستدامة. التعامل مع اقتصاديات الاعلانات الرقمية يتطلب نهجا متوازنا يضمن تحقيق عوائد اقتصادية للمعلنين والمنصات الاعلامية مع الحفاظ على تنوع المحتوى الاعلامي. ضرورة اعتماد إقتصاد المعرفة الذي يعزز الشفافية ويسهم في تفادي الأخطاء والتدخلات الخارجية. تدريب الإعلاميين على استخدام الوسائط الرقمية الحديثة، وتزويدهم بمعلومات عن هذا المفهوم وتدريبهم على كيفية إعداد محتوى اعلامي متخصص في مجال اقتصاد المعرفي. واجب الحكومات والمنظمات الإعلامية العمل على تطوير الأطر القانونية والتنظيمة المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، خصوصا في مجالات حماية البيانات وإبراز الدور الانمائي للجيش في المجتمع اللبناني يوازي دوره العسكري والأمني منذ تأسيسه”.
هذا، وتعمل الرابطة على “تطبيق هذه التوصيات مع الجهات المعنية للنهوض بالمجتمع العربي من خلال تنمية الانسان وتعزيز الوعي لدى مختلف شرائح المجتمع بالاعتماد على وسائل التواصل التي لها الدور الفاعل في التنمية المستدامة”.