أعلنت روسيا الثلاثاء تعديل عقيدتها النووية بعد يومين على ظهور تقارير تشير إلى أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، سمح لأوكرانيا باستخدام أسلحة أميركية لاستهداف العمق الروسي.
وتحدد العقيدة النووية الشروط التي يأمر بموجبها الرئيس بتوجيه ضربة نووية. وبموافقته على التعديل، خفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مستوى التهديد الذي قد يدفع موسكو لاستخدام الأسلحة النووية ردا على مجموعة من الهجمات التقليدية.
فقبل تغيير عقديتها في عام 2020، كان استخدام الأسلحة النووية، بالنسبة لروسيا، يشترط “تهديد وجود الدولة”، بينما يعتبر التعديل الجديد “التهديد الخطير” مبررا لاستخدام السلاح النووي دون تحديد المقصود بـ”التهديد الخطير”.
ووفقا للوثيقة الجديدة، فإن أحد المبررات الرئيسية لاستخدام هذه الأسلحة هو “إطلاق صواريخ بالستية ضد” روسيا، وهي رسالة على ما يبدو للولايات المتحدة وفق خبراء ومختصين رأوا في الخطوة “تصعيدا يهدف إلى الضغط على الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، لدفع أوكرانيا نحو القبول بصفقة أميركية توقف الحرب، لكن بشروط روسية.
يقول كبير الباحثين في معهد المشاريع الأميركية، داليبور روهاك إن “بوتين يُصعد من أجل خفض التصعيد. يريد الحصول على موقف تفاوضي أكثر فائدة خلال فترة رئاسة ترامب”.
ويضيف روهاك في مقابلة مع قناة “الحرة” أن تكون الإدارة الأميركية القادمة برئاسة ترامب، “أكثر ميلا إلى عقد صفقة مع بوتين”.
الموقف الأخير لبوتين بتوسيع نطاق القوة النووية، لتشمل دولا لا تمتلك قدرات نووية، يخالف بنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لسنة 1968.
وربما يولد هذا الموقف ضغطا جديدا على العلاقات بين روسيا والقوى الغربية، خاصة حلف الناتو، الذي قد يعتبر التغيير استهدافا لدوله الأعضاء.
يرى ديفيد سالفو، المدير الإداري لتحالف تأمين الديمقراطية في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، أن من الممكن أن تفكر روسيا في استخدام الأسلحة النووية للدفاع عن مصالحها.
وقال سالفو في مقابلة مع “الحرة”: “روسيا قد تستخدم أسلحتها النووية ضد الغرب. هذا التخوف هو السبب الرئيسي وراء عدم سماح إدارة بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب عمق الأراضي الروسية في العامين الأخيرين”.
عندما سمح بايدن لأوكرانيا باستخدام أسلحة أميركية لضرب العمق الروسي، فإنه سمح باستخدامها على مسافة 300 كم داخل الحدود الروسية، وربما لا يعني ذلك أنها ستستهدف مؤسسات ومنشآت روسية مهمة.
وفي سياق ردود الفعل على قرار بايدن، وقفت هنغاريا، وهي حليفة لروسيا، بالضد من الموقف الأميركي، واعتبر وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو قرار بايدن بمثابة “عدم ممانعة لتوسيع رقعة الصراع ليشمل جميع أنحاء العالم”.
ويتفق بافيل فيلغنهاور، وهو خبير عسكري روسي، مع ديفيد سالفو، في أن موسكو تريد التأثير على إدارة ترامب، الذي تحدث عن رغبته في إيجاد حل للحرب في أوكرانيا.
وقال فيلغنهاور لقناة “الحرة” إن “العقيدة الجديدة في روسيا، تتكلم عن الردع، ولا تتكلم عن الضغط على الزر النووي”.
يُمكن لتغيير العقيدة النووية الروسية أن يضعف الثقة بين القوى الكبرى، ويعرقل مفاوضات تمديد أو تجديد معاهدات مثل START الجديدة، التي تهدف إلى الحد من التسلح النووي.
وتزيد الخطوة من صعوبة تحقيق تقدم في مجال منع انتشار الأسلحة النووية، إذ قد ترى دول أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية في هذا التطور مبررا لتوسيع برامجها النووية.
وقال الدبلوماسي الأميركي السابق، مايكل كيربي، لقناة “الحرة” إن “روسيا تحاول إرسال رسالة لترامب عبر التهديد باستخدام السلاح النووي. لا أعتقد أننا سنواجه تصعيدا كبيرا”.
بدأت المنافسة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما امتلكت واشنطن السلاح النووي في عام 1945، تبعها الاتحاد السوفيتي آنذاك في عام 1949.
ومنذ ذلك الوقت، شهد العالم سباقا محموما لتطوير الترسانات النووية، وعملت القوتان على بناء آلاف الرؤوس النووية وتحسين تقنيات إطلاقها.
وتُعتبر روسيا أكثر الدول امتلاكا للرؤوس النووية بنحو 6 آلاف رأس، وهي واحدة من ضمن تسع دول تملك أسلحة نووية، بضمنها الولايات المتحدة الأميركية، وسبع دول أخرى هي: فرنسا، الصين، بريطانيا، الهند، باكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل التي “لم تؤكد، أو تنف” حيازتها السلاح النووي.
ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن العقيدة الروسية السابقة، ركزت الرد على الهجمات التي تشنها الدول والتحالفات التي تمتلك أسلحة نووية، لكنها اليوم، قد تستخدم الأسلحة النووية ضد دولة مسلحة نووياً، لا تشن هجوماً مباشراً عليها، لكنها تدعم هجوماً تشنه دولة غير نووية، وفقا للوثيقة التي اطلعت عليها الصحيفة.
وتشير روسيا في هذا البند من الوثيقة، على ما يبدو، إلى الولايات المتحدة، أبرز الداعمين لأوكرانيا في التصدي للهجوم الروسي الذي يُشن عليها منذ نحو ثلاث سنوات.
لكن مسؤولا رفيعا في مجلس الأمن القومي الأميركي قلل من التهديدات الروسية. وقال في تصريح لقناة “الحرة”: “لم نر أي سبب لتعديل موقفنا بشأن استخدام الأسلحة الاستراتيجية الأميركية ردا على تصريحات (بوتين) اليوم”.
تساهم العقيدة الجديدة التي تبنتها موسكو في خلق بيئة غير مستقرة على المسرح الدولي، حيث يتم دمج التهديدات التقليدية بالصواريخ الباليستية مع الردع النووي. ويغير هذا قواعد اللعبة في التعامل مع التهديدات العسكرية التقليدية، ويزيد من احتمال سوء التقدير أو التصعيد غير المحسوب.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022، تزايدت المخاوف بشأن “حرب نووية”، خاصة مع تلويح روسي متكرر باستخدامها، وهو ما دفع واشنطن إلى تعزيز ردعها في أوروبا.
“كان من المفترض أن تستخدم روسيا سلاحا نوويا عندما توغلت أوكرانيا في أراضيها، لكنها أحجمت عن ذلك”، تقول لوليا جوجا، مديرة برنامج البحر الأسود في معهد الشرق الأوسط لقناة “الحرة”.
وعبر الاتحاد الأوربي بشكل سريع عن موقفه بعد الإعلان الروسي، ووصف مفوض السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، قرار بوتين بـ”غير المسؤول”.
وشكك بوريل بشأن توقيت الموقف الروسي، الذي يأتي في اليوم الألف للهجوم على أوكرانيا، وقال إن “الموقف له دلالات رمزية”.
وتعتقد جوجا بأن روسيا تستخدم ورقة الأسلحة النووية كرادع. “مع ذلك، لا يعني أن نستبعد نهائيا إمكانية استخدامها لغرض التصعيد”، تضيف.
وتبقى العقيدة النووية أداة حاسمة في السياسة الدولية، إذ تشكل التوازن بين الردع ومنع التصعيد النووي. ومع ذلك، فإن مستقبل الاتفاقات النووية يعتمد على عودة الحوار والالتزام المتبادل بين القوى الكبرى.
ربما يؤدي القرار إلى سباق تسلح جديد، إذ تسعى دول أخرى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية لتجنب التهديد النووي.
المصدر: الحرة